responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 139
مُزْعَةٌ مِنْ دِينِهِ وَقَلْبِهِ، كَمَا أَنَّ لِكُلِّ طَيْرٍ مُزْعَةً مِنْ لَحْمِهِ وَأَعْضَائِهِ، وَالرِّيحُ الَّتِي تَهْوِي بِهِ فِي مَكَان سَحِيقٍ هُوَ هَوَاهُ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى إلْقَاءِ نَفْسِهِ فِي أَسْفَلِ مَكَان وَأَبْعَدِهِ مِنْ السَّمَاءِ.

فَصْلٌ.
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74] حَقِيقٌ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَسْتَمِعَ قَلْبُهُ لِهَذَا الْمَثَلِ، وَيَتَدَبَّرَهُ حَقَّ تَدَبُّرِهِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ مَوَادَّ الشِّرْكِ مِنْ قَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْبُودَ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إيجَادِ مَا يَنْفَعُ عَابِدُهُ وَإِعْدَامِ مَا يَضُرُّهُ، وَالْآلِهَةُ الَّتِي يَعْبُدُهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى خَلْقِ الذُّبَابِ وَلَوْ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ لِخَلْقِهِ، فَكَيْفَ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ؟ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْ الذُّبَابِ إذَا سَلَبَهُمْ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ طِيبٍ وَنَحْوِهِ فَيَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، فَلَا هُمْ قَادِرُونَ عَلَى خَلْقِ الذُّبَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَضْعَفِ الْحَيَوَانَاتِ وَلَا عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْهُ وَاسْتِرْجَاعِ مَا سَلَبَهُمْ إيَّاهُ، فَلَا أَعْجِزَ مِنْ هَذِهِ الْآلِهَةِ، وَلَا أَضْعَفَ مِنْهَا، فَكَيْفَ يَسْتَحْسِنُ عَاقِلٌ عِبَادَتَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ؟
وَهَذَا الْمَثَلُ مِنْ أَبْلَغِ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَتَجْهِيلِ أَهْلِهِ، وَتَقْبِيحِ عُقُولِهِمْ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ تَلَاعَبَ بِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ تَلَاعُبِ الصِّبْيَانِ بِالْكُرَةِ حَيْثُ أَعْطَوْا الْإِلَهِيَّةَ الَّتِي مِنْ بَعْضِ لَوَازِمِهَا الْقُدْرَةُ عَلَى جَمِيعِ الْمَقْدُورَاتِ وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْغِنَى عَنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنْ يُصْعَدَ إلَى الرَّبِّ فِي جَمِيعِ الْحَاجَاتِ وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ وَإِغَاثَةِ اللَّهَفَاتِ وَإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، فَأَعْطَوْهَا صُوَرًا وَتَمَاثِيلَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى أَقَلِّ مَخْلُوقَاتٍ لِآلِهَةِ الْحَقِّ وَأَذَلِّهَا وَأَصْغَرِهَا وَأَحْقَرِهَا، وَلَوْ اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ.
وَأَدَلُّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَجْزِهِمْ وَانْتِفَاءِ إلَهِيَّتِهِمْ أَنَّ هَذَا الْخَلْقَ الْأَقَلَّ الْأَذَلَّ الْعَاجِزَ الضَّعِيفَ لَوْ اخْتَطَفَ مِنْهُمْ شَيْئًا وَاسْتَلَبَهُ فَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ لَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ سَوَّى بَيْنَ الْعَابِدِ وَالْمَعْبُودِ فِي الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ بِقَوْلِهِ: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] قِيلَ: الطَّالِبُ الْعَابِدُ وَالْمَطْلُوبُ الْمَعْبُودُ، فَهُوَ عَاجِزٌ مُتَعَلِّقٌ بِعَاجِزٍ، وَقِيلَ: هُوَ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ السَّالِبِ وَالْمَسْلُوبِ، وَهُوَ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الْإِلَهِ وَالذُّبَابِ فِي الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ؛ وَعَلَى هَذَا فَقِيلَ: الطَّالِبُ الْإِلَهُ الْبَاطِلُ، وَالْمَطْلُوبُ الذُّبَابُ يَطْلُبُ مِنْهُ مَا اسْتَلَبَهُ مِنْهُ، وَقِيلَ: الطَّالِبُ الذُّبَابُ، وَالْمَطْلُوبُ الْإِلَهُ، فَالذُّبَابُ يَطْلُبُ مِنْهُ مَا يَأْخُذُهُ مِمَّا عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، فَضَعْفُ الْعَابِدِ وَالْمَعْبُودِ وَالْمُسْتَلِبِ وَالْمُسْتَلَبِ؛ فَمَنْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست