responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 218
تَرَكَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ الَّتِي هِيَ إجْمَاعٌ أَوْ كَالْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِ مَنْ بَعْدَهُمْ فَهُوَ مُخْطِئٌ مُخَالِفٌ لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الدَّلِيلَ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إلَى مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ، وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ أَوْ فُقِدَا وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَهُنَا يَجْتَهِدُ فِي الرَّاجِحِ وَلَا يَرُدُّ حُكْمَ مَنْ حَكَمَ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ تَرَاجِيحَ الْأَدِلَّةِ أَوْ اسْتِنْبَاطَهَا عِنْدَ خَفَاهَا هُوَ مَحَلُّ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ، ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِخَطَإِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَحَدِ النَّصَّيْنِ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ.
وَعِنْدَ خَفَاءِ الْأَدِلَّةِ قَالَ لَا أَدْرِي أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ، وَهَذَا تَحْقِيقٌ عَظِيمٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ دَلِيلٌ قَطْعًا لَكِنْ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْآخَرِ لَهُ هَلْ سُلِبَتْ دَلَالَتُهُ أَمْ لَمْ تُسْلَبْ، هَذَا مَحَلُّ تَرَدُّدٍ، فَإِنْ اعْتَقَدَ رُجْحَانَهُ اعْتَقَدَ بَقَاءَ دَلَالَتِهِ فَقَدْ تَمَسَّكَ بِمَا هُوَ دَلِيلٌ لَمْ يُثْبِتْ سَلْبَ دَلَالَتِهِ فَصَارَ إنْ كَانَ الْحَقُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ كَالتَّمَسُّكِ بِالنَّصِّ الَّذِي نُسِخَ وَلَمْ يَعْلَمْ نَسْخَهُ فَلَا يَحْكُمُ عَلَى مُخَالِفِهِ بِالْخَطَإِ.
كَمَا لَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصًّا وَقَدْ اجْتَهَدَ فَقَدْ يَكُونُ مَا اعْتَمَدَهُ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ بِالرَّأْيِ تَأْوِيلًا وَقِيَاسًا لَيْسَ بِدَلِيلٍ. فَلَا نَدْرِي أَنَّهُ أَصَابَ كَالْمُتَمَسِّكِ بِدَلِيلٍ أَمْ لَمْ يُصِبْ فَتَحَرَّرْ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ الْمُصِيبُ إلَّا وَاحِدًا.
وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَلَا نَحْكُمْ بِالْخَطَإِ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ، وَلَا نَحْكُمْ بِالصَّوَابِ لِمَنْ لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ خَيْرٌ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ الْخَطَأَ فِي الْحُكْمِ مُطْلَقًا، وَإِطْلَاقِ بَعْضِهِمْ الْإِصَابَةَ فِي الْحُكْمِ مُطْلَقًا. وَاعْلَمْ أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مُصِيبٌ فِي الْحُكْمِ، بَلْ قَالَ لَا يُقَالُ إنَّهُ مُخْطِئٌ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُخْطِئٌ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي اسْتِدْلَالِهِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ هَلْ يُعْطَى أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى اجْتِهَادِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ أَوْ عَلَى مُجَرَّدِ قَصْدِهِ الْحُكْمَ. وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْلَال صَحِيحًا وَلَا يُصِيبُ الْحَقَّ. وَمَا قَدَّمْنَاهُ يُبَيِّنُ لَك أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ مُخْطِئًا فِي اجْتِهَادِهِ وَتَارَةً لَا يَكُونُ مُخْطِئًا فِي اجْتِهَادِهِ: بَلْ دَلِيلُهُ يَكُونُ مُخْطِئًا لَا خِلَافَهُ فَيُثَابُ تَارَةً عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَتَارَةً عَلَى أَحَدِهِمَا، كَذَلِكَ يَكُونُ الْحَقُّ سَوَاءً فَيَكُونُ تَحْقِيقُهُ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إنْ اسْتَدَلَّ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَكَانَ مُخَالِفًا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَتَّبِعَهُ؛ وَاتِّبَاعُهُ لَهُ صَوَابٌ؛ وَاعْتِقَادُ مُوجَبِهِ

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست