responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 213
فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ الْأَمْرِيِّ الْقَصْدِيِّ، وَبَيْنَ الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ الْوُجُودِيِّ الْقَدَرِيِّ.

فَإِنَّ الْمُسَبِّبَاتِ يَجِبُ وُجُودُهَا عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يُحْدِثُهَا حِينَئِذٍ وَيَشَاءُ وُجُودَهَا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا شَرْعًا وَدِينًا، وَلَا يُنَازِعُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ كَالْقَتْلِ. لَيْسَ أَمْرًا بِمُسَبِّبَاتِهَا الَّذِي هُوَ الْإِزْهَاقُ، وَكَذَلِكَ الْأَسْبَابُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي وُجُودِ الْمُسَبِّبَاتِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُحْدِثُ الْمُسَبِّبَاتِ وَيَشَاؤُهَا إلَّا بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْأَسْبَابِ شَرْعًا وَدِينًا، فَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ مِمَّا هُوَ سَابِقٌ لَهُ أَوْ هُوَ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّارِعِ فِيهِ طَلَبٌ شَرْعِيٌّ فَإِنَّهُ يَجِبُ وُجُودُهُ وُجُوبًا عَقْلِيًّا إذَا امْتَثَلَ الْعَبْدُ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ.
وَهُنَا قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ هَذَا السَّبَبَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ هَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ أَمْرًا شَرْعِيًّا وَمِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ هَذَا وَاجِبٌ بِالْقَصْدِ الثَّانِي لَا بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت عَلِمْت أَنَّ هَذَا مِنْ نَمَطِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُ الْعَبْدَ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ مِنْ فِعْلِهِ الْوَاجِبِ، كَالدَّاعِي إلَى الْهُدَى فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ مَنْ اسْتَجَابَ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَالْوَلَدِ الصَّالِحِ فَإِنَّ دُعَاءَهُ مُضَافٌ إلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُ أَبِيهِ إنَّمَا هُوَ الْإِيلَاجُ الَّذِي قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَمَعَ هَذَا فَلَوْ تَرَكَ الْوَاجِبَ لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى انْتِفَاءِ الْآثَارِ وَاللَّوَازِمِ، كَذَلِكَ اللَّهُ يُثِيبُهُ عَلَى فِعْلِ أَسْبَابِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، كَالسَّيْرِ إلَى الْمَسْجِدِ وَإِلَى الْبَيْتِ وَالْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا تَرَكَهَا لَمْ يُعَاقِبْهُ إلَّا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، فَافْهَمْ مِثْلَ هَذَا فِي الْوَاجِبِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَدَائِهِ إلَّا بِهَذَا الْمُعَيَّنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّعْيِينَ إذَا فَعَلَهُ أَثَابَهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يُعَاقِبْهُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا يُعَاقِبُهُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ الْمُطْلَقِ، بِحَيْثُ تَكُونُ عُقُوبَتُهُ وَعُقُوبَةُ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ عِدَّةَ أَعْيَانٍ مِمَّا سِوَاهُ، أَوْ يَكُونُ هَذَا أَقَلَّ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ، وَإِذَا أَرَدْت عِبَارَةً لَا يُنَازِعُك فِيهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، فَقُلْ هَذَا النَّجَسُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا الْمُعَيَّنُ لَيْسَ عَيْنُهُ مَقْصُودَةَ الْأَمْرِ، وَلَا هَذَا النَّجَسُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَقْصُودِ الْأَمْرِ، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذَا الَّذِي لَمْ يَجِدْ إلَّا مَاءً وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ نَجَسًا، إذَا قِيلَ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْحَقِيقَةِ بِاسْتِعْمَالِهِ كَالْأَمْرِ بِمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ.
فَإِذَا قُلْت: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ بِمَجْمُوعِ هَذَيْنِ الِاعْتِبَارَيْنِ، فَلَا نِزَاعَ مَعَك، وَإِذَا قُلْت

نام کتاب : الفتاوى الكبرى نویسنده : ابن تيمية    جلد : 6  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست