معناها بما قوبلت به؛ وانظر إلى قوله تعالى {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} . فإن كلمة ثُبات قد تبدو مشكلة للإنسان، ولكن عندما يضمها إلى ما ذكر مقابلاً لها يتبين له معناها، فإن معنى قوله {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} . أي متفرقين فُرادى. {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} . أي مجتمعين. هكذا قوله تعالى {مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} . نقول إن المحكم في هذه الآية هو الذي كان معناه واضحًا غير مشتبه بحيث يعلمه عامة الناس وخاصتهم، مثل قوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} . وما أشبه ذلك من الأمور الظاهرة المعنى. ومنه آيات متشابهات، متشابهات يخفى معناها على كثير من الناس لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، كما قال تعالى {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . على قراءة من قرأها بالوصل وللسلف فيها قولان معروفان أحدهما الوقف على قوله {إِلَّا اللَّهُ} , والثاني الوصل. ولكل قراءة وجه. وأما قول السائل ما الحكمة في أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل القرآن كله محكمًا بل جعل منه شيئًا متشابهاً؟ فالجواب عليه من وجهتين أولا أن القرآن كله محكم بالمعنى العام، كما ذكرنا في أول الجواب، وحتى فيما يتعلق بهذه الآية الكريمة، فإننا إذا رددنا المتشابه إلى المحكم صار معناه واضحًا بينًا، وصار الجميع كله محكمًا. أما الوجه الثاني فإننا نقول إن الله سبحانه وتعالى أوجد المتشابه الذي يحتاج إلى تدبر وتأمل وإرجاع إلى المحكم، أوجده لحكمة وهي الابتلاء والامتحان والاختبار، حيث إن بعض الناس يأخذ من هذه الآيات المتشابهات طريقًا إلى الفتنة، وإلى الطعن في القرآن والتشكيك فيه وليكون بهذا ابتلاء وامتحانًا من الله سبحانه وتعالى له، وهذا كما يكون في أحكام الله الشرعية أو آياته الشرعية كالقرآن، يكون كذلك في الآيات الكونية القدرية، فإن الله تعالى قد يقدر بعض الأشياء امتحانًا للإنسان يبلوه في تطبيق شريعته , وانظر إلى ما ابتلي به الله أهل السبت حين حرّم عليهم الحيتان في يوم السبت، ابتلاهم الله عز وجل بأن تأتي الحيتان شرَّعًا على ظهر الماء في يوم السبت وفي غير يوم السبت لا تأتيهم، لكنهم لم يصبروا على هذه المحنة فتحيلوا بالحيلة المعروفة حيث وضعوا شركًا في يوم الجمعة، لتقع فيه الحيتان، فيأخذونها يوم الأحد، فعاقبهم الله عز وجل على هذه الحيلة. وانظر كذلك إلى ما ابتلي الله به الصحابة رضي الله عنهم في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ