وبطلت في حق كل ما سوى الله، والقرآن يبين بعضه بعضا ويفسره.
والرسل إنما يفتتحون دعوتهم بمعنى "لا إله إلا الله": {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [1]، فتبين أن الإلهية هي العبادة؛ ولهذا قال قوم هود لما قال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [2] {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [3]، فتبين بالآية أنهم لم يستنكفوا من عبادة الله، لكنهم أبوا أن يخلصوا العبادة لله وحده؛ فلم ينفوا ما نفته "لا إله إلا الله"، فاستوجبوا ما وقع بهم من العذاب، بعدم قبولهم من دعاهم إليه من إخلاص العبادة.
كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} [4] وهم الرسل جميعهم {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ} [5] وهذا هو معنى كلمة الإخلاص الذي اجتمعت عليه الرسل، فقوله: {أن لا تعبدوا} هو معنى (لا إله) وقوله: {إِلاَّ اللَّهَ} هو المستثنى في كلمة الإخلاص؛ فهذا هو تحقيق معناها -بحمد الله- إنذار الرسل جميعهم أممهم عن الشرك في العبادة، وأن يخلصوها لله وحده لا شريك له. ففي ما ذكرناه في هذه الآيات في معناه كاف واف شاف، ولله الحمد والمنة.
تعريف العبادة
وأما تعريف العبادة، فقد قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في الكافية الشافية:
وعبادة الرحمن غاية حبه ... مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ... ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله ... لا بالهوى والنفس والشيطان
فذكر أصل العبادة التي يصلح العمل مع حصولها إذا كان على السنة، فذكر قطبيها، وهما غاية المحبة لله في غاية الذل له. والغاية تفوت بدخول الشرك، وبه يبطل هذا الأصل، لأن المشرك لا بد أن يحب معبوده، ولا [1] سورة الأعراف آية: 59. [2] سورة الأعراف آية: 59. [3] سورة الأعراف آية: 70. [4] سورة الأحقاف آية: 21. [5] سورة هود آية: 2.