الانقياد بحقوقها، وهي الأعمال الواجبة إخلاصا لله وطلبا لمرضاته.
إذا عرفت ذلك فقولك: "لا إله إلا الله": فلا: نافية للجنس. والإله هو: المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضر، كحال من عبد الأموات والغائبين والأصنام، فكل معبود مألوه بالعبادة. والخبر المرفوع محذوف تقديره: حق. وقوله: "إلا الله" استثناء من الخبر المرفوع. فالله سبحانه هو الحق، وعبادته وحده هي الحق، وعبادة غيره منتفية بلا في هذه الكلمة.
قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [1]، فإلهية ما سواه باطلة، فدلت الآية على أن صرف الدعاء الذي هو مخ العبادة عنه لغيره باطل؛ فتبين أن الإلهية هي العبادة لأن الدعاء من أفرادها، فمن صرف منها شيئا لغيره تعالى فهو باطل.
والقرآن كله يدل على أن الإلهية هي العبادة كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ? إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} [2]، فذكر البراءة من كل معبود سوى الله، ولم يستثن إلا عبادة من فطره سبحانه، ثم قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [3] أي: "لا إله إلا الله" فعبر عن الإلهية بالعبادة في النفي والإثبات.
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} [4]: فقوله {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي} [5] هو معنى "إلا الله" في كلمة الإخلاص، وقوله: {وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} [6] هو المنفي في كلمة الإخلاص ب "لا إله"؛ فتبين أن "لا إله إلا الله" دلت على البراءة من الشرك في العبادة في حق كل ما سوى الله.
وقال الله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [7] والدين هو العبادة، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ} [8]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [9] أي: الذي لا تصلح الإلهية إلا له وحده، فانتفت الإلهية [1] سورة الحج آية: 62. [2] سورة الزخرف آية: 26. [3] سورة الزخرف آية: 28. [4] سورة الجن آية: 20. [5] سورة الجن آية: 20. [6] سورة الجن آية: 20. [7] سورة الزمر آية: 11. [8] سورة الرعد آية: 36. [9] سورة الكهف آية: 110.