responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 2  صفحه : 254
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمَا شِرْكٌ بَلْ كَانَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ جَدِّهِمَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا كَانَ عَلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا الْمَسْلَكُ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ طَائِفَةٌ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ فخر الدين الرازي: فَقَالَ فِي كِتَابِهِ " أَسْرَارِ التَّنْزِيلِ " مَا نَصُّهُ: قِيلَ: إِنْ آزر لَمْ يَكُنْ وَالِدَ إِبْرَاهِيمَ، بَلْ كَانَ عَمَّهُ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ آبَاءَ الْأَنْبِيَاءِ مَا كَانُوا كُفَّارًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ: مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ - وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 218 - 219] قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْقُلُ نُورَهُ مِنْ سَاجِدٍ إِلَى سَاجِدٍ، وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ آبَاءِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ وَالِدَ إِبْرَاهِيمَ مَا كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ، إِنَّمَا ذَاكَ عَمُّهُ، أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] عَلَى وُجُوهٍ أُخْرَى. وَإِذَا وَرَدَتِ الرِّوَايَاتُ بِالْكُلِّ - وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا - وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكُلِّ، وَمَتَى صَحَّ ذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّ وَالِدَ إِبْرَاهِيمَ مَا كَانَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آبَاءَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانُوا مُشْرِكِينَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ إِلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ» .
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ أَجْدَادِهِ مُشْرِكًا - هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فخر الدين بِحُرُوفِهِ، وَنَاهِيكَ بِهِ إِمَامَةً وَجَلَالَةً، فَإِنَّهُ إِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي زَمَانِهِ، وَالْقَائِمُ بِالرَّدِّ عَلَى فِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي وَقْتِهِ، وَالنَّاصِرُ لِمَذْهَبِ الْأَشَاعِرَةِ فِي عَصْرِهِ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمَبْعُوثُ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ لِيُجَدِّدَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا. وَعِنْدِي فِي نُصْرَةِ هَذَا الْمَسْلَكِ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ فخر الدين أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: دَلِيلٌ اسْتَنْبَطْتُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ، الْأُولَى: أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ [دَلَّتْ] عَلَى أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آدَمَ إِلَى أَبِيهِ عبد الله، فَهُوَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ قَرْنِهِ وَأَفْضَلِهِمْ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَخْلُ الْأَرْضُ مِنْ عَهْدِ نُوحٍ أَوْ آدَمَ إِلَى بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ مِنْ نَاسٍ عَلَى الْفِطْرَةِ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُوَحِّدُونَهُ، وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَبِهِمْ تُحْفَظُ الْأَرْضُ، وَلَوْلَاهُمْ لَهَلَكَتِ الْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهَا. وَإِذَا قَارَنْتَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، أُنْتِجَ مِنْهَا قَطْعًا أَنَّ آبَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُشْرِكٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَيْرِ قَرْنِهِ، فَإِنْ كَانَ النَّاسُ الَّذِينَ هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ هُمْ إِيَّاهُمْ فَهُوَ الْمُدَّعَى، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَهُمْ وَهُمْ عَلَى الشِّرْكِ لَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُ خَيْرًا مِنَ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ

نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 2  صفحه : 254
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست