responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 2  صفحه : 253
وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّعْذِيبِ قَبْلَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ: تَأَمَّلْ مَا فِي كَلَامِهِ مِنَ التَّنَافِي؛ فَإِنَّ مَنْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَى لَيْسُوا بِأَهْلِ فَتْرَةٍ، فَإِنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ هُمُ الْأُمَمُ الْكَائِنَةُ بَيْنَ أَزْمِنَةِ الرُّسُلِ، الَّذِينَ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمُ الْأَوَّلُ وَلَا أَدْرَكُوا الثَّانِيَ، كَالْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ عِيسَى وَلَا لَحِقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْفَتْرَةُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ تَشْمَلُ مَا بَيْنَ كُلِّ رَسُولَيْنِ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ إِذَا تَكَلَّمُوا فِي الْفَتْرَةِ فَإِنَّمَا يَعْنُونَ الَّتِي بَيْنَ عِيسَى وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمَّا دَلَّتِ الْقَوَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعْذِيبَ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَذَّبِينَ، فَإِنْ قُلْتَ: صَحَّتْ أَحَادِيثُ بِتَعْذِيبِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ كَصَاحِبِ الْمِحْجَنِ وَغَيْرِهِ.
قُلْتُ: أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ، فَلَا تُعَارِضُ الْقَاطِعَ.
الثَّانِي: قَصْرُ التَّعْذِيبِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّبَبِ.
الثَّالِثُ: قَصْرُ التَّعْذِيبِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ الشَّرَائِعَ، وَشَرَعَ مِنَ الضَّلَالِ مَا لَا يُعْذَرُ بِهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مَنْ أَدْرَكَ التَّوْحِيدَ بِبَصِيرَتِهِ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَرِيعَتِهِ، كقس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ فِي شَرِيعَةِ حَقٍّ قَائِمَةِ الرَّسْمِ، كتبع وَقَوْمِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ بَدَّلَ، وَغَيَّرَ، وَأَشْرَكَ وَلَمْ يُوَحِّدْ، وَشَرَعَ لِنَفْسِهِ فَحَلَّلَ وَحَرَّمَ - وَهُمُ الْأَكْثَرُ - كعمرو بن لحي أَوَّلِ مَنْ سَنَّ لِلْعَرَبِ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ، وَشَرَعَ الْأَحْكَامَ، فَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ، وَحَمَى الْحَامِيَ، وَزَادَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مَا شَرَعَهُ أَنْ عَبَدُوا الْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ، وَحَرَقُوا الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَاتَّخَذُوا بُيُوتًا جَعَلُوا لَهَا سَدَنَةً وَحُجَّابًا يُضَاهُونَ بِهَا الْكَعْبَةَ، كَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَمْ يُشْرِكْ، وَلَمْ يُوَحِّدْ، وَلَا دَخَلَ فِي شَرِيعَةِ نَبِيٍّ، وَلَا ابْتَكَرَ لِنَفْسِهِ شَرِيعَةً، وَلَا اخْتَرَعَ دِينًا، بَلْ بَقِيَ عُمْرَهُ عَلَى حَالِ غَفْلَةٍ عَنْ هَذَا كُلِّهِ، وَفِي الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِذَا انْقَسَمَ أَهْلُ الْفَتْرَةِ إِلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ فَيُحْمَلُ مَنْ صَحَّ تَعْذِيبُهُ عَلَى أَهْلِ الْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِكُفْرِهِمْ بِمَا لَا يُعَذَّبُونَ بِهِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ فَهُمْ أَهْلُ الْفَتْرَةِ حَقِيقَةً، وَهُمْ غَيْرُ مُعَذَّبِينَ لِلْقَطْعِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلٍّ مِنْ قس وزيد: إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ. وَأَمَّا تبع وَنَحْوُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِينَ دَخَلُوا فِيهِ، مَا لَمْ يَلْحَقْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الْإِسْلَامَ النَّاسِخَ لِكُلِّ دِينٍ. انْتَهَى مَا أَوْرَدَهُ الْأَبِّيُّ.

نام کتاب : الحاوي للفتاوي نویسنده : السيوطي، جلال الدين    جلد : 2  صفحه : 253
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست