نام کتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي نویسنده : عبد القادر عودة جلد : 1 صفحه : 549
على أساس صحيح، فإن الشريعة حين قررت هذا الحق لولي الدم لم تكن تقر عادات سائدة كما يظن البعض وإنما كانت تنظر قبل كل شيء إلى طبيعة البشر وغرائزهم، وإلى مصلحة الأفراد والجماعة، شأنها في كل ما جاءت به من مبادئ وما قررته من حقوق أو فرضته من واجبات.
وليس ثمة من ينكر أن حب الانتقام طبيعة في الإنسان، وأنه مهما تثقفت طباعه وهذبت غرائزه فإنه يفضل أن ينتقم بيده لنفسه على أن يكون الانتقام بيد غيره، وليس ثمة أيضاً من يجادل في أن الإنسان بطبعه يكون أقرب للعفو عن حقه بنية صحيحة كلما كان قادراً على الوصول لحقه لا يمنعه عنه مانع.
ومن المبادئ المسلم بها أن تقرير القصاص عقوبة للقتل من مصلحة الجماعة؛ لأن القتل أنفى للقتل، ولأن في القصاص حياة، ومن المبادئ السلم بها أيضاً أن العفو عن القصاص بنية صحيحة يؤدي إلى حفظ الأمن وصيانة الدماء وتقليل الجرائم.
على أساس الطبيعة البشرية وعلى أساس هذه المبادئ السليمة المسلم بها قررت الشريعة حق ولي الدم في أن يقتص بنفسه، لترضى بذلك نزعة الانتقام الكامنة في أغواره، ولتحول بينه وبين أن يأخذ حقه بيده قبل المحاكمة أو قبل الموعد المحدد لتنفيذ العقوبة، أو أن يرى العقوبة التي تنفذها السلطات العامة غير كافية لشفاء نفسه فيحاول أن ينتقم من أهل القاتل.
وعلى نفس الأسس جعلت الشريعة لولي الدم أن يقتص أو أن يعفو، فبعد أن مكنته من القصاص كل التمكين، وسلطته على الجاني إلى هذا الحد، حببت إليه العفو، ودعته إليه وأغرته به من الناحية المادية، فجعلت له أن يعفو على مال، وأغرته به من الناحية المعنوية فوعدته رضاء الله وحسن ثواب الآخرة، حتى إذا ما عفا بعد هذا كله عفا بنية صحيحة، وانمحت الزخائم والحزازات وحل الوئام محل الخصام وهو العامل الفعال في حفظ الأمن وإقرار النظام بين الجماعات،
نام کتاب : التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي نویسنده : عبد القادر عودة جلد : 1 صفحه : 549