فلان، فإن قتل فعليكم المرقال". وذلك في يوم الجسر. فإن عهد إلى رجل ثم قال: فإن مات المعهود إليه بعد نظره وإفضاء الخلافة إليه فالإمام بعده فلان، أخذ بذكره، فإن ذكره وعهد إليه أولا هو الإمام بعده، وإذا مات المعهود إليه أو انعزل بحدوث معنى لم يكن للذي بعده ولاية ولا عهد. لأن الأمر صار لمن جعله ولي عهده بعده فإذا صار إماماً حصل التصرف والنظر إليه والاختيار إليه، وكان العهد إليه فيمن يراه. ويفارق هذا الفصل الذي قبله؛ لأنه جعل العهد إلى غيره عند موته وتغير صفاته في الحالة التي لم يثبت للمعهود إليه إمامة، بل كاننت إمامة الأول باقية، فلهذا صح عهده إلى من يراه. ولا يجب على كافة الناس معرفة الإمام بعينه واسمه، إلا من هو من أهل الاختيار الذين تقوم بهم الحجة وتنعقد بهم الخلافة. ويجوز أن يسمي خليفة لمن عقد له الأمر، ويسمي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَنَّهُ خَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- في أمته. وهل يجوز أن يقال: خليفة الله تعالى؟ فقد قيل يجوز، لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى (هو الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بعض درجات) وقيل لا يجوز، لأنه إنما يستخلف من يغيب أو يموت، والله تعالى لا يغيب ولا يموت. وقيل لأبي بكر: يا خليفة الله.
فقال: " لست خليفة اللَّهِ وَلَكِنِّي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- ". ويلزم الإمام من أمور الأمة عشرة أشياء:
أحدها: حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة. فإن زاغ ذو شبهة عنه بين له الحجة وأوضح لَهُ الصَّوَابَ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ، لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ خَلَلٍ وَالْأُمَّةُ ممنوعة من الزلل.
الثَّانِي: تَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، وَقَطْعُ الْخِصَامِ بينهم، حتى تظهر النَّصَفَةُ، فَلَا يَتَعَدَّى ظَالِمٌ وَلَا يَضْعُفُ مَظْلُومٌ.
الثالث: حماية البيضة والذب عن الحوزة لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي الْمَعَايِشِ وَيَنْتَشِرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمنين.
الرابع: إقَامَةُ الْحُدُودِ لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الِانْتِهَاكِ، وَتُحْفَظَ حُقُوقُ عِبَادِهِ مِنْ إتْلَافٍ وَاسْتِهْلَاكٍ.
الخامس: تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ، حَتَّى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرماً ويسفكون فيها دماً لمسلم أو معاهد.
السادس: جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يسلم أو يدخل في الذمة.