أحدها: ما أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كِبَارِ الْأَنْهَارِ الَّتِي لم يحفرها الآدميةن، كدجلة والفرات فماؤها يتسع للزرع والشاربة، وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ قُصُورٌ عَنْ كِفَايَةٍ، وَلَا ضرورة تدعو فيه إلى تنازع او مشاحة، فَيَجُوزُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا لِضَيْعَتِهِ شُرْبًا، وَيَجْعَلَ مِنْ ضَيْعَتِهِ إلَيْهَا مغيضا، لا يمنع من أخذ شربا، ولا من جعل لضيعته إليها مغيضا. والقسم الثاني: ما أجراه الله من صغار الأنهار، فهو عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلُوَ مَاؤُهَا وَإِنْ لم يحبس، ويكفي جميع أهله منغير تَقْصِيرٍ، فَيَجُوزُ لِكُلِّ ذِي أَرْضٍ مِنْ أَهْلِهِ أن يأخذ من شراب أرضه في وقت حاجته، لا يُعَارِضُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِنْ أَرَادَ قَوْمٌ أَنْ يَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ نَهْرًا يُسَاقُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى أَوْ يَجْعَلُوا إلَيْهِ مَغِيضَ نَهْرٍ آخَرَ، نُظِرَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِأَهْلِ هَذَا النَّهْرِ منع منه، وإن لم يضر لَمْ يُمْنَعْ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَقِلَّ مَاءُ هَذَا النَّهْرِ وَلَا يَعْلُوَ لِلشُّرْبِ إلَّا بِحَبْسِهِ، فللأول من أهل هذا النهر أن يبتدئ يسقي أرضه حتى ي يكتفي منه ويرتوي ثُمَّ يَحْبِسَهُ مَنْ يَلِيهِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ أرضا آخرهم حبسا. وقدر ما يحبسه من الماء في أرضه إلى الكعبين، فإذا بلغ الكعبين أرسل إلى الآخر، نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، فقال: " والماء الجاري فإنه يحبس على أهل العوالي بقدر الكعب " وذكر الحديث. ولفظ الحديث ما رواه أبو بكر بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال: " قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مهزور، وادي بني قريظة، أن الماء إلى الكعبين، بحبس الأعلى على الأسفل. وبإسناده عن عَمْرو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل".