وإنما أنكر هذا من فعل سفيان لأنه إذا اكترى فقد عقد عقدا مختلفا في صحته، فكره مخالفته لأجل اختلاف الناس، لأنه يقع الخبر بخلاف مخبره، لأنه بالعقد ملتزم. وإذا ثبت أنه لا يجوز بيعها ولا إجارتها، فمن سبق إلى شيء منها بقدر حاجته ليست لهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم فتح مكة " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " ومن أغلق بابه فهو آمن " فكيف سماها داره، ودورهم، وليست لهم؟ وعمر اشترى من صفوان دارا للسجن كيف لا تكون لهم؟ ثم قال: يدخل على الرجل في منزله ومعه حرمته؟ ". وقال أيضا في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث " أما ما يقول بعض الناس ينزلون معهم، فإنما يكون هذا إذا كان عنده فضل كثير، وكانت دارا عظيمة فيها دور، مثل دار صفوان ابن أمية وما أشبهها، فأما رجل له منزل فيه حرمته فلا ينبغي لأحد أن ينزل عليه وهو كاره". واستعظم ذلك ممن قاله. فأما ما طاف بمكة من نصب حرمها فحكمه في تحريم البيع والإجارة حكمها. قال في رواية مثنى الأنباري وقد سأله: هل يشتري من المضارب - يعني التي بمنى؟ - قال " لا يعجبني أن يشتري ولا يباع، وكذلك الحرم كله". فقد بين أن جميع الحرم حكمه حكم مكة.
وقال في رواية أبي طالب " لم يكن لهم أن يتخذوا بمنى شيئا، فإذا اتخذوا فلا يدخله أحد إلا بإذنه، قد كان سفيان اتخذ بها حائطا وبنى فيه بيتين، وربما قال لأصحاب الحديث بقوها فلا يدخل رجل مضرب رجل إلا بإذنه". وظاهر هذا: أنه قد أجاز البناء بمنى على وجه ينفرد به. وقال في رواية ابن منصور " أما البناء بمنى فإني أكرهه". فظاهر هذا: المنع. فهذا كله إذا قلنا إنها فتحت عنوة. فأما إذا قلنا إنها فتحت عنوة صلحا فإنه يجوز بيعها وإجارتها. وقد قال أحمد في رواية أبي طالب فيما تقدم " إذا كان أرضا حرة مثل مكة وخراسان فعليهم الصدقة لأنهم يملكون رقبتها". فقد نص على ملك رقبة مكة وشبهها بخراسان، ومعلوم أن أرض خراسان يجوز بيعها. فأما الحرم فهو ما طاف بمكة من جوانبها. وحده من المدينة دون التنعيم، عند بيوت بني غفار، عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ، عَلَى ثَنِيَّةِ جَبَلٍ بِالْمُنْقَطِعِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ، وَمِنْ طريق الجعرانة: في شعب أبي عبد الله