قال في رواية صالح - وقد سأله: ما تري في شراء المنازل بمكة؟ قال " لا يعجبني، فيه نهي كثير، وبعض الناس يتأول (سواء العاكف فيه والباد) ". وقال في رواية أبي طالب " لا تكرى بيوت مكة إلا أن يعطى لحفظ متاعه، فقيل: أليس اشترى عمر دارا للسجن؟ قال: اشتراها للمسلمين يحبس فيه الفساق، فقيل له: فإن سكن الرجل لا يعطيهم كراء؟ قال: لا يخرج حتى يعطيهم، أنا أكره كراء الحجام ولكن أعطيه أجرته، ولا ينبغي لهم أن يأخذوه". وقال في موضع آخر، من مسائل أبي طالب - وقد سأله عن كراء دور مكة؟ فقال " إنما كره في الأفنية والدور الكبار". ففي أول كلامه المنع من إجارتها للسكنى على الإطلاق، وأجاز إعطاء الكراء لحفظ المتاع، لأن الأجرة تحصل في مقابلة الحفظ ثم قال " فإن سكن أعطاهم ولا ينبغي لهم الأخذ " لأنه يعتقد أنه لا يجوز كراؤها، وقوله في آخر كلامه " إنما كره ذلك في الأفنية والدور والكبار". لا يقتضي أنه لا يكره ساكنوها بالسكنى فيها لحاجتهم إليها فلا يكرونها، وإنما يكرون الكبار، فصرف الكلام إلى ذلك لهذا المعنى. وقال في رواية جعفر بن محمد " شراء دورها مكروه، ويحتجون بأن عمر اشترى دار السجن، وفيه مرفق للمسلمين". وقال في رواية ابن منصور - وقد سأله، هل تكره أجور بيوت مكة وشراؤها والبناء بمنى-؟ فقال " أبوا الكراء، وأما الشراء فقد اشترى عمر دارا للسجن، وأما البناء فأكرهه". فظاهر هذا أنه كره الكراء وأجاز الشراء، وليس هذا على ظاهره، لأنه قد قال في رواية ابنه صالح - وقد سأله: ما ترى في شراء المنازل بمكة، فقال " لا يعجبني". وكذلك قال في رواية جعفر بن محمد " شراء دورها وبيعها مكروه". فسوى بين الشراءة والبيع في المنع. وقوله في رواية ابن منصور " أما الشراء فقد اشترى عمر " معناه: دارا للسجن.
وقد بين ذلك في رواية أبي طالب، وقال " اشتراه للمسلمين " ولم يرد بذلك جواز شرائها على الإطلاق. ويحتمل أن يكون عمر اشترى بنيان دار للسجن فسمى ذلك دارا، كما يقال فلان باع داره إذا باع الإطلاق. وقال في موضع آخر من مسائل ابن منصور: في الرجل يسكن مكة بأجرة " إن قدر أن لا يعطيهم فليفعل " لأن عنده أنه لا يجوز إجارتها. وقوله " فإن أعطاهم لم يأثم" لأنه مختلف في جوازه. وقال في رواية الأثرم وإبراهيم بن الحارث " لايعجبني أجور بيوت مكة " وذكر له عن سفيان أنه كان يكتري ويخرج ولا يعطيهم، فأنكر ذلك وقال " سبحان الله، كيف يجئ هذا؟ "