وَهِيَ آخِرُ الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْحَجِّ. وَيُعْلِمُ الناس أن لهم في الحج نفرين، خيرهم الله تعالى فيهما بقوله (2: 203 - فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، ومن تأخر فلا إثم عليه) وَيُعْلِمُهُمْ أَنَّ مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنَى قَبْلَ غروب الشمس فقط سقط عنه المبيت بها ورمى الجمار مِنْ غَدِهِ، وَمَنْ أَقَامَ بِهَا حَتَّى غَرَبَتْ الشمس لزمه المبيت بها والرمي من غده. وليس في اليوم السابع من العشر خطبة، لأنه يوم لم يشرع في نسك من مناسك الحج، فلم يشرع فيه خطبة كليلة اليوم الأخير من أيام التشريق، ولا يلزمه عليه يوم عرفة ويوم النفر الأول لأنه شرع فيه النسك. ولا في يوم النحر خطبة، لأن الإمام يعلمهم في خطبة يوم عرفة ما يحتاجون إليه في الغد وهو النفر الثاني، لم يحتج إلى إعادة الخطبة فيه. وليس لهذا الإمام يحكم وِلَايَتِهِ أَنْ يَنْفِرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَيُقِيمَ بمنى لِيَبِيتَ بِهَا، وَيَنْفِرُ فِي النَّفْرِ الثَّانِي مِنْ غده من يوم الحلاق، وهو الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ متبوع، فلا يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْمَنَاسِكِ.
فَإِذَا اسْتَقَرَّ حكم النفر الثاني انقضت ولايته وأدى مَا لَزِمَهُ. فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوِلَايَتِهِ. فأما السَّادِسُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: إنْ فعل أحد الحجيج ما يقتضي تعزيره أو يوجب حدا، فينظر، فإن كان مما لا تعلق له بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ وَلَا حَدُّهُ، وإن كان مما يتعلق بالحج مثل أن.... فله تعزيره زجرا وتأديبا، وأما الحد فليس له إقامته، لأنه خارج عن أفعال الحج، وقد قيل له ذلك لأنه من أحكام الحج. الثاني: أنه لا يجوز له أن يحكم بين الحجيج فيما يتنازعونه من غير أحكام الحج، فأما حكمه بينهم فيما يتنازعونه مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ، كَالزَّوْجَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي إيجاب الكفارة للوطء ومؤنة القضاء، فعلى ما ذكرنا من الاحتمال الثالث أن يأتي أحد الحجيج بما يوجب الفدية فله أن يخبره بموجبها ويأمره بإخراجها، وهل يستحق إلزامه له ويصير خصما له في المطالبة؟ عل ما ذكرنا من الاحتمال في إقامة الحد. ويجوز لوالي الحجيج أَنْ يُفْتِيَ مَنْ اسْتَفْتَاهُ إذَا كَانَ فَقِيهًا وإن لم يجز له أَنْ يَحْكُمَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ ما يسوغ فعله، إلا ما يخاف أن يجعله الجاهل قدرة فيه، فقد أنكر عمر على طلحة لُبْسَ الْمُضَرَّجِ فِي الْحَجِّ، وَقَالَ " أَخَافُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِكَ الْجَاهِلُ". وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ فِي الْمَنَاسِكِ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَلَوْ أَقَامَ للناس الحج - وهو حلال غَيْرُ مُحْرِمٍ - كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَحَّ الْحَجُّ معه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُمْ فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ مُصَلٍّ لَهَا.