وقد استدل الماوردي على صحة القراض بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [1]، واستدل عليه أيضا بأن رسول الله، ضارب لخديجة بمالها إلى الشام، وهو بعيد فليس ذلك نصا في القراض، لاحتمال أن المراد بالفضل المشار إليه في الآية هو الرزق من غير عمل، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مقارضا؛ لأن خديجة لم تدفع له مالا يشتري به، وإنما كان مأذونا له في التصرف عنها يبيع أمتعتها على سبيل الوكالة، فهو صلوات الله عليه كان وكيلا بأجر.
حكم القراض:
وأما حكمه فهو عقد جائز بين الطرفين، لكل منهما فسخه متى شاء، وإذا كان الفسخ من جهة العامل كان عليه أن يوفي الديون، ويدفع رأس المال بعد أن يصبره دراهم ودنانير، والدليل على ذلك ما رواه -زيد بن أسلم عن أبيه أن عبد الله، وعبيد الله بني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرحب بهما.. وقال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى. ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكما إياه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه في المدينة، وتوفران رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون لكما ربحه، فقالا: وددنا ذلك ففعل، وفكتب إلى عمر يأخذ منهما المال، فلما قدما وباعا ربحا، فقال عمر: أكل الجيش قد أسلف كما أسلفكما، فقالا: لا فقال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: يا أمير المؤمنين لو هلك المال [1] من الآية "198" من سورة البقرة.