وأجاب ابن دقيق العيد فقال: هذا ضعيف لأنه لا يهم إلا بما يجوز له فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكون انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه وقد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون". الحديث [1].
5- قالوا: إن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأساً لا مجرد الجماعة وهو متعقب بأن في رواية مسلم "لا يشهدون الصلاة" أي لا يحضرون، وفي رواية أحمد "لا يشهدون العشاء في الجميع". أي في الجماعة.
6- إن هذا التهديد ورد في حق المنافقين لتركهم الجماعة. تعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه صلى الله عليه وسلم كان معرضاً عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم، وقد قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه". وتعقب هذا التعقيب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا إن ادعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجباً عليه ولا دليل على ذلك وليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم[2].
قال الحافظ بعد نقل هذه الاحتمالات: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء…".
وبقوله: "لو يعلم أحدكم" لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية، لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان: "لا يشهدون العشاء في الجميع". وقوله في حديث أسامة: "لا يشهدون الجماعة" وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود: "ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة". فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء. انتهى[3].
وأجاب الجمهور عن حديث ابن أم مكتوم وغيره من أصحاب الأعذار بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد لهم رخصة تحصل لهم فضيلة الجماعة من غير حضورها، وليس معناه إيجاب الحضور [1] هذه الزيادة لا تصح وقد سبق بيانه. [2] إحكام الأحكام: (1/ 165) . [3] فتح الباري: (2/127) .