ويحتج على الظاهرية القائلين بالوجوب بحديث أبي هريرة أنه بمقتضى مذهبهم لا يدل على وجوب الجماعة في غير الفجر والعشاء، لأنهم يأخذون بالظاهر، فإذا ثبت أن الصلوات الأخرى غير واجبة، وجب أن نحمل حديث أبي هريرة على غير الوجوب أيضاً لأن الصلوات الأخرى لا يختلف حكمها.
فإذا كان كذلك وجب تأويل حديث أبي هريرة حتى يصلح أن يكون حكمه مثل الصلوات الأخرى.
وإليكم بعض هذه التأويلات نقلاً من الحافظ:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه.
وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه كما أن تركه لهما حال التحريق لا يستلزم الترك مطلقا لإمكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده.
2- إنها لو كانت شرطاً أو فرضاً لبين ذلك عند التوعد.
يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان.
قال ابن دقيق العيد: بأن البين قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة.
فلما قال: قد "هممت" دل على وجوب الحضور.
3- قال الباجي وغيره: إن الخبر ورد مورد الزجر، وحقيقته غير مرادة، وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار.
وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك.
وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزاً بدليل حديث أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلاناً وفلانا فاحرقوهما بالنار". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما".
رواه البخاري في الجهاد في باب لا يعذب بعذاب الله، وأصحاب السنن، إلا أن هذا الحكم كان خاصا بالكفار.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد فلو كان واجباً ما عفا عنهم.
قال القاضي عياض: ليس في الحديث حجة لأنه صلى الله عليه وسلم هم ولم يفعل وزاد النووي: ولو كان فرض عين لما تركهم.