نام کتاب : خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة نویسنده : عبد الغني أحمد جبر مزهر جلد : 1 صفحه : 100
كل خصلة كريمة، مع زيادة الورع، وقوة الشخصية، وصلابة الإيمان، فهو قبل أن يأمر الناس بخير ينبغي أن يكون أسبقهم إلى فعله.
وليعلم الخطيب أنه مهما بلغت فصاحته، وتجلى بيانه، ومهما بلغ من قوة الإلقاء، ونصاعة الأسلوب فإنه لن يستطيع أن يقنع أحدا بفكره، أو أن يستميل القلوب لدعوته ما لم يكن مخلصا في دعوته، نقيا في سيرته.
بل إنه مع ذلك لا يستطيع أن يسلم من غمز الناس به في سلوكه، فليوطن نفسه على ذلك، وكم رأينا وسمعنا من خطيب مصقع، لكن الناس يجلسون في خطبته جلوس المحكومين ظلما وكأنهم يستمعون إلى قاض ظالم يتلو عليهم قرار الحكم، وكم رأينا كذلك من خطباء يتمنى الحضور لو أن خطبة أحدهم تمتد ساعات، وهذا شيء مشاهد معلوم، فليس الأسلوب وحده أو البلاغة والفصاحة وحدها هي التي تجذب قلوب الناس وتحببهم في الخطيب أو الداعية.
ولن يستطيع الخطيب أن يقف صادعا بالحق، واثقا مما يقول، وهو يعلم أن العيون تغمزه، والقلوب تمقته، وأنه ملوث السيرة، غير نقي الذيل.
فكأن الناس وهم ينغضون إليه رؤوسهم، ويرمون إليه بأبصارهم يقولون بلسان حالهم:
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ... أبدا وأنت من الرشاد عقيم (1)
قال السبكي رحمه الله: وعليه- أي: الواعظ- نحو ما على الخطيب، فليذكر بأيام الله، وليخف القوم في الله تعالى، وينبئهم بأخبار السلف الصالحين، وما كانوا عليه، وأهم ما ينبغي له وللخطيب أن يتلو على نفسه قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44]
(1) الأبيات من القصيدة المشار إليه قبل قليل.
نام کتاب : خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة نویسنده : عبد الغني أحمد جبر مزهر جلد : 1 صفحه : 100