… وفي المقابل وجدنا بعض الفقهاء يقولون إِن الحجامة تفطِّر الصائم، واقفين عند هذه النصوص الثلاثة والنصوص الأخرى المماثلة دون أن يتعبوا أنفسهم في قراءة ما بعدها، وإن هم قرأوها أوَّلوها هم أيضاً، كقولهم عن الحديث في البند الرابع إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما احتجم وهو مُحْرِم، إنما كان ذلك وهو ذاهبٌ إلى الحج، أي وهو مسافرٌ، والمسافر لا يصوم، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبتت عنه عدة روايات بأنه قد أفطر في السفر!! أي أنهم قالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم حين احتجم في السفر إنما كان مفطراً ولم يكن صائماً! وهكذا ردُّوا الحديث بهذه البساطة وأغمضوا عيونهم عن الحديثين الخامس والسادس لصعوبة تأويلهما!
…إن كثيراً من خلافات الفقهاء والعلماء ناتجةٌ عن تناول قسم من النصوص في المسألة الواحدة وترك القسم الآخر، كأن يأخذوا بالأحاديث العامة ويَدَعوا الأحاديث المخصِّصة، أو يأخذوا بالأحاديث السابقة ويدعوا الأحاديث اللاحقة الناسخة، أو يقيسوا أشياء على أشياء وعندهم نصوص فيها لا يحتاجون معها إلى القياس، أو يستغرقوا في استحضار معاني الألفاظ كما تُوردها كلَّها معاجمُ اللغة، ثم ينتقوا المعنى المطلوب عندهم. ومن العلماء، وأخصُّ المتأخرين والمعاصرين، من يراعي المصلحة والبلاء العام فيبيح ما حرَّمه الله ورسوله، وقد وجدت ذلك كله في قراءاتي لكتب الفقه، ولو أن الفقهاء والعلماء يتفقون على ترك كل ما سبق لتضاءلت الخلافات بينهم إلى درجة كبيرة وكبيرة جداً. وكمثال على ما نقول ما نحن بصدده الآن: