أما ما رواه الشافعي «فلْيغسل يده قبل أن يُدخلها في وَضوئه» وابن ماجة «فلا يُدخل يده في وَضوئه حتى يغسلها» فإنه لا يغير من الأمر شيئاً، ولا ينقل الحديث إلى موضوع الوضوء، فهذا اللفظ يدل على أن على المسلم أن يغسل كفيه حين الاستيقاظ، وأنَّ غُسلهما يكون قبل البدء بالوضوء. وبمعنى آخر فإن من أراد الوضوء وغمس يديه في الماء المعد له عليه أن يكون قد غسل كفيه قبل ذلك، فلفظة (وضوء) في هذا الحديث ليست صارفة له عن غسل الاستيقاظ إلى غسل الوضوء. فغسل الكفين أو اليدين في هذا الحديث غير غسل الكفين الوارد في أحاديث الوضوء السابقة، فهذا الغسل شيء، وذاك شيء آخر.
ولسنا نريد الخوض في خضمِّ اختلافات الفقهاء واستنباطاتهم من هذا الحديث من مثل أنه عبادة تفتقر إلى نية، أو أنه تنظيف من وهم النجاسة لا يحتاج إلى نية، وهل الحديث في نوم الليل فحسب فيقتصر عليه، أم هو عام في كل نوم؟ وهل من يغمس يده في الماء قبل الغسل ينجسه أم لا؟ إلى غير ذلك مما اختلف الفقهاء فيه، فهذا كله لا يلزمنا. وإذا كان لا بد من كلمة في الموضوع فإنَّا نقول إن الحديث يحث على غسل الكفين عند الاستيقاظ من النوم أيِّ نوم، لا فرق بين نوم الليل ونوم النهار وإن من يغمس يده في الإناء لا ينجِّس الماء ولا يأثم. فالعلة «فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» عامة في كل نوم، وهي تعليل بوهم النجاسة وليست تعليلاً بتحقُّق النجاسة، والأصل في الشيء أنه طاهر ولا يحكم عليه بالنجاسة إلا بالتحقق واليقين، ولا يقين هنا.
4 ـ المضمضة: المضمضة لغة: تحريك الماء في الفم، قاله صاحب القاموس. وهو معناها الشرعي. فالتحريك في اللغة شرط فيها، فيظهر من ذلك خطأ ما عليه الجمهور من عدم اشتراط إدارة الماء في الفم. ودليل المضمضة في الوضوء حديث حُمْران « ... ثم مضمض ... » وحديث عبد الله بن زيد الأنصاري « ... فمضمض ... » وقد مرَّا.