أمّا ما درج عليه الفقهاء من الاستدلال على غسل الكفين في الوضوء بالحديث الذي رواه مسلم والبخاري وأهل السنن من طريق أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «إذا استيقظ أحدكم من نومه - وفي رواية للترمذي وابن ماجة من الليل - فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنَّه لا يدري أين باتت يده» - إلا أن البخاري لم يذكر العدد- وما نتج عن هذا الاستدلال من اختلافهم في حكم غسل الكفين في الوضوء، فذهب مَن ذكرناهم إلى أنه سُنَّة لأن تعليل غسل اليدين في الحديث بوهم النجاسة يخرجه عن الوجوب إلى الندب. وذهب أحمد وابن عمر وأبو هريرة والحسن البصري فيما رُوي عنهم إلى أنه واجب مستدلين بهذا الحديث، لأن الأمر عندهم يقتضي الوجوب والنهي يقتضي التحريم، والحديث فيه نهيٌ عن غمس اليدين في الماء قبل أن يغسلهما ثلاثاً، وإذن فغسل الكفين في الوضوء واجب، فإنهم جميعاً جانبوا الصواب، لأن الصحيح هو أن هذا الحديث لا يصلح للاستدلال على الموضوع أصلاً، لأنه لم يجيء في موضوع الوضوء، ولذا فإن اختلافهم في هذا الأمر هو في غير محله. فالحديث هو في موضوع الاستيقاظ من النوم، فإنَّ ألفاظ الحديث صريحة في ذلك ولم يأت الحديث على ذكر الوضوء، ولذا يجب استبعاد هذا الحديث من الاستدلال على موضوعنا والاقتصار على الأحاديث السابقة الكافية.