والسقوط، والمجاهرة بالقبيح، ما فيه. لأنه يقال له، قبل كل شيء: من أخبرك أن موسى عليه السلام دعا ولم يؤمِّن، وأن هارون أمَّن ولم يدع؟ وهذا شيء إنما قاله بعض المفسرين بغير إسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم [1]، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن كافة تنقل عن مثلها إلى ما هنالك. فمن فاته هذان الوجهان، فقد فاته الحق، ولم يبق بيده إلا المجاهرة بالكذب، وأن يقفو ما ليس له به علم، أو أن يروي ذلك عن إبليس الملعون فإنه قد أدرك لا محالة تلك المشاهد كلها، إلا أنه غير ثقة. ثم يقال له: هذا لو صح لك ما ادعيت من أن موسى دعا ولم يؤمن، وأن هارون أمن ولم يدع. فأي شيء في هذا مما يبطل قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الإمام: “ وإذا أمّن فأمنوا “ وقول الراوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الإمام، كان يقول إذا فرغ من أم القرآن في الصلاة: آمين. هذا ولعل موسى قد أمّن إذ دعا، ولعل هارون دعا إذ دعا موسى، وأمّنَا، أو أمّن أحدهما، أو لم يؤمّن واحد منهما. ونص القرآن يوجب أنهما دعوا معا بقوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} وليس في القرآن دليل على تأمين وقع منهما، ولا من أحدهما ... “ [2].
1. أما قولهم: إن الدعاء تأمين. كما أن التأمين دعاء. فقد أجاب عنه ابن عبد البر، فقال:
“ما قالوه من هذا كله فليس فيه حجة. فليس في شيء من اللغات: أن الدعاء يسمى تأمينا[3]. ولو صح لهم ما ادعوه وسلم لهم ما تأولوه لم يكن فيه إلا أن التأمين يسمى دعاء وأما أن الدعاء يقال له: تأمين، فلا. وإنما قال الله عزوجل: {قَدْ [1] انظر: تفسير الطبري 11/161، فقد ذكر آثاراً عدة، وليس فيها شيء مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم. [2] الإحكام لابن حزم 5/150، 151. وانظر: المحلى 3/266. [3] قال ابن حزم في المحلى 3/265: (ما قال أحد من أهل اللغة إن قول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} يُسمى تأميناً) .