وقال ابن دقيق العيد: “وأما الحديث”إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار"؛ فإنه لم يكن عمله صحيحاً في نفسه، وإنما كان رياءً وسمعة..، وقوله صلى الله عليه وسلم “فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... إلى قوله: فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" المراد: أن هذا قد يقع في نادر من الناس، لا أنه غالب فيهم، وذلك من لطف الله سبحانه وسعة رحمته؛ فإن انقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور، ولله الحمد والمنة على ذلك”[1].
فقوله صلى الله عليه وسلم “وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... إلخ" ظاهر الحديث يدل على أن هذا العامل كان عمله صحيحاً، وأنه قرب من الجنة بسبب عمله، حتى بقي له على دخولها ذراع، وإنما منعه من ذلك سابق القدر الذي يظهر عند الخاتمة؛ فإذاً الأعمال بالسوابق لكن لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة جاء في الحديث "إنما الأعمال بالخواتيم" يعني عندنا، بالنسبة إلى اطلاعنا في معنى الأشخاص وفي بعض الأحوال”[2].
وروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ”لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له؛ فإن العامل يعمل زماناً من دهره، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيء لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه” [3].
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ”إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله" فقيل: [1] شرح الأربعين النووية ص22، 23. [2] انظر المصدر السابق ص22. [3] رواه أحمد في مسنده 3/120 و123 و230 و257، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/323 ح 1334 ثم قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.