responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 12  صفحه : 22
فَصَحَّ أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] فَوَجَدْنَاهُمْ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسْقِطْ الْحَدَّ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقَةً، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ (إلَّا الَّذِينَ تَابُوا) وَلَمْ يَقُلْ " مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ " فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 52] بَيَّنَ لَنَا تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ التَّوْبَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ الْجَلْدِ ثَمَانِينَ، وَاسْتِحْقَاقُ اسْمِ الْفُسُوقِ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، لَا قَبْلَ الْجَلْدِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّمَا سَقَطَ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الْجَلْدِ مَا عَدَا الْجَلْدَ، لِأَنَّ الْجَلْدَ قَدْ نَفَذَ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَهُ بِالتَّوْبَةِ إلَّا الْفِسْقُ، وَحُكْمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَقَطْ.
وَأَيْضًا: فَبَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِسْطَحَ بْنِ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ.
وَصَحَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ بِهَا مَا عَدَا الْحَدَّ - وَهُوَ الْفِسْقُ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ فَقَطْ - فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بِهِ - وَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُدُودِ، حَاشَا حَدِّ الْحِرَابَةِ الَّذِي وَرَدَ النَّصُّ بِسُقُوطِهَا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ - وَأَمَّا بِالتَّوْبَةِ الْكَائِنَةِ مِنْهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ أَصْلًا، لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُسْقِطْ الْحَدَّ عَنْهُمْ إلَّا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَقَطْ، وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى إنْفَاذِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالدَّلِيلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَدٍّ وَلَمْ يَقُلْ مَا هُوَ؟ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَصْلًا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ حَدٌّ فِيهِ الْجَلْدُ فَقَطْ: لَمْ يَقُمْ أَيْضًا جَلْدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ حَدٌّ يُوجِبُ جَلْدًا - وَلَيْسَ كَمَا يُظَنُّ - فَإِذْ هُوَ مُمْكِنٌ فَلَا يَحِلُّ لَنَا بَشَرَتُهُ بِإِحْلَالِهِ لَنَا إيَّاهَا، لِأَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا قَبْلَ إحْلَالِهِ الْفَاسِدِ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأً قَالَ لِآخَرَ: اضْرِبْنِي فَقَدْ أَحْلَلْت لَك بَشَرَتِي؟ لَمْ يَحِلَّ ضَرْبُهُ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ نَفْسِهِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا، وَلَا أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهَا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى.

نام کتاب : المحلى بالآثار نویسنده : ابن حزم    جلد : 12  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست