responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 5  صفحه : 113
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا - إِلا قِيلا سَلامًا} [الواقعة: 25 - 26] . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
وَقَالَ آخَرُ:
عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ

إلَّا أُوَارِي لَأَيًّا مَا أُبَيِّنُهَا
وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيه لَوْلَاهُ.
وَقِيلَ: هُوَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، مُشْتَقٌّ مِنْ ثَنَيْت فُلَانًا عَنْ رَأْيِهِ. إذَا صَرَفْته عَنْ رَأْيٍ كَانَ عَازِمًا عَلَيْهِ. وَثَنَيْت عِنَانَ دَابَّتِي. إذَا صَرَفْتهَا بِهِ عَنْ وِجْهَتِهَا الَّتِي كَانَتْ تَذْهَبُ إلَيْهَا. وَغَيْرُ الْجِنْسِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْكَلَامِ، فَإِذَا ذَكَرَهُ، فَمَا صَرَفَ الْكَلَامَ عَنْ صَوْبِهِ، وَلَا ثَنَاهُ عَنْ وَجْهِ اسْتِرْسَالِهِ، فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اسْتِثْنَاءً تَجَوُّزًا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِدْرَاكٌ. " وَإِلَّا " هَاهُنَا بِمَعْنَى " لَكِنْ ". هَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَحَكَاهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ.
وَالِاسْتِدْرَاكُ لَا يَأْتِي إلَّا بَعْدَ الْجَحْدِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْتِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ إلَّا بَعْدَ النَّفْيِ، وَلَا يَأْتِي بَعْدَهُ الْإِثْبَاتُ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَعْدَهُ جُمْلَةٌ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَلَا مَدْخَلَ لِلِاسْتِدْرَاكِ فِي الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلْمُقِرِّ بِهِ، فَإِذَا ذَكَرَ الِاسْتِدْرَاكَ بَعْدَهُ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ جُمْلَةٍ كَأَنْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا لِي عَلَيْهِ. فَيَكُونُ مُقِرًّا بِشَيْءٍ مُدَّعِيًا لَشَيْءٍ سِوَاهُ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ، وَتَبْطُلُ دَعْوَاهُ، كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بِغَيْرِ لَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ} [الكهف: 50] فَإِنَّ إبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِالسُّجُودِ غَيْرَهُمْ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّجُودِ، وَلَا عَاصِيًا بِتَرْكِهِ، وَلَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] . وَلَا قَالَ: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا فَلِمَ أَنْكَسَهُ اللَّهُ وَأَهْبَطَهُ وَدَحَرَهُ؟ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِالسُّجُودِ إلَّا الْمَلَائِكَةَ. فَإِنْ قَالُوا: بَلْ قَدْ تَنَاوَلَ الْأَمْرُ الْمَلَائِكَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَدَخَلَ إبْلِيسُ فِي الْأَمْرِ لِكَوْنِهِ مَعَهُمْ.
قُلْنَا: قَدْ سَقَطَ اسْتِدْلَالُكُمْ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ إبْلِيسُ دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، مَأْمُورًا بِالسُّجُودِ، فَاسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الْجِنْسِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ أَنْصَفَ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَعَلَى هَذَا، مَتَى قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا. لَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَسَقَطَ الِاسْتِثْنَاءُ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، لَكِنْ لِي عَلَيْهِ ثَوْبٌ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 5  صفحه : 113
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست