responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 4  صفحه : 401
صَحَّ الضَّمَانُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَالٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مَجْهُولًا، كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] ، وَحِمْلُ الْبَعِيرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ حِمْلَ الْبَعِيرِ يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِهِ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» ، وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، كَالنَّذْرِ وَالْإِقْرَارِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِضَرَرٍ وَخَطَرٍ، وَهُوَ ضَمَانُ الْعُهْدَةِ. وَإِذَا قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. أَوْ قَالَ: ادْفَعْ ثِيَابَك إلَى هَذَا الرِّفَاء، وَعَلَيَّ ضَمَانُهَا. فَصَحَّ الْمَجْهُولُ، كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ.

وَمِنْهَا صِحَّةُ ضَمَانِ مَا لَمْ يَجِبْ، فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " مَا أَعْطَيْته "، أَيْ مَا يُعْطِيه فِي الْمُسْتَقْبَلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَنْ ضَمِنَ عَنْهُ حَقٌّ بَعْدَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ " مَا أَعْطَيْته " فِي الْمَاضِي، كَانَ مَعْنَى الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءً، أَوْ إحْدَاهُمَا دَاخِلَةً فِي الْأُخْرَى. وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْتِزَامِ الدَّيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ شَيْءٌ، فَلَا ضَمَّ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ ضَمَانًا. قُلْنَا: قَدْ ضَمَّ ذِمَّته إلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ، وَأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي ذِمَّة مَضْمُونِهِ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ. وَهَذَا كَافٍ.
وَقَدْ سَلَّمُوا ضَمَانَ مَا يُلْقِيه فِي الْبَحْرِ قَبْلَ وُجُوبِهِ بِقَوْلِهِ: أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ، وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. وَسَلَّمَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ضَمَانَ الْجَعْلِ فِي الْجَعَالَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَمَا وَجَبَ شَيْءٌ بَعْدُ.

وَمِنْهَا، أَنَّ الضَّمَانَ إذَا صَحَّ لَزِمَ الضَّامِنَ مِنْ أَدَاءِ مَا ضَمِنَهُ، وَكَانَ لِلْمَضْمُونِ لَهُ مُطَالَبَتُهُ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَهُوَ فَائِدَةُ الضَّمَانِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» . وَاشْتِقَاقُ اللَّفْظِ.

وَمِنْهَا صِحَّةُ الضَّمَانِ عَنْ كُلِّ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ، حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا، مَلِيئًا أَوْ مُفْلِسًا؛ لِعُمُومِ لَفْظِهِ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ الْمَيِّتِ، إلَّا أَنْ يَخْلُفَ وَفَاءً، فَإِنْ خَلَفَ بَعْضَ الْوَفَاءِ، صَحَّ ضَمَانُهُ بِقَدْرِ مَا خَلَفَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ سَاقِطٌ، فَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ بِالْأَبْرَاءِ، وَلِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ خَرِبَتْ خَرَابًا لَا تَعْمُرُ بَعْدَهُ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا دَيْنٌ، وَالضَّمَانُ: ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْتِزَامِهِ. وَلَنَا، حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَعَلِيٍّ، فَإِنَّهُمَا ضَمِنَا دَيْنَ مَيِّتٍ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً.
وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَّهُمْ عَلَى ضَمَانِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، بِقَوْلِهِ: «أَلَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ؟» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ، فَصَحَّ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ خَلَفَ وَفَاءً، وَدَلِيلُ ثُبُوتِهِ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، جَازَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ اقْتِضَاؤُهُ، وَلَوْ ضَمِنَهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ، لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الضَّامِنِ، وَلَوْ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَرِئَتْ ذِمَّة الضَّامِنِ، وَفِي هَذَا انْفِصَالٌ عَمَّا ذَكَرُوهُ.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 4  صفحه : 401
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست