responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي الكبير نویسنده : الماوردي    جلد : 5  صفحه : 87
وَلِأَنَّ عِلَّةَ الشَّيْءِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ مَا كَانَ مَقْصُودًا مِنْ أَوْصَافِهِ، وَمَقْصُودُ الْبُرِّ هُوَ الْأَكْلُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْحُكْمِ.
وَلِأَنَّ الْأَكْلَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِ الْمَعْلُولِ وَالْكَيْلُ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَنِ الْمَعْلُولِ وَالصِّفَةُ اللَّازِمَةُ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ عِلَّةً مِنَ الصِّفَةِ الزَّائِدَةِ.
وَلِأَنَّ الْأَكْلَ عِلَّةٌ يُوجَدُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا، وَالْكَيْلُ عِلَّةٌ يُوجَدُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهَا وَيُعْدَمُ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِهَا، وَهُوَ أَنَّ الزَّرْعَ إِذَا كَانَ حَشِيشًا أَوْ قَصِيلًا لَا رِبَا فِيهِ لِعَدَمِ الْأَكْلِ عِنْدَنَا وَعَدَمِ الْكَيْلِ عِنْدَهُمْ فَإِذَا صَارَ سُنْبُلًا ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا عِنْدَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ مَكِيلٍ. فَإِنْ قِيلَ يَصِيرُ مَكِيلًا. قِيلَ: وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ حَشِيشًا، فَإِذَا صَارَ السُّنْبُلُ خُبْزًا ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا عِنْدَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ مَكِيلٍ. فَإِنْ قِيلَ يَحْصُلُ فِيهِ الرُّبْعُ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ قِيلَ: مَا ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا لَا تَخْتَلِفُ عِلَّتُهُ بِاخْتِلَافِ أَوْصَافِهِ، فَإِذَا صَارَ الْخُبْزُ رَمَادًا فَلَا رِبَا فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ وَلَا رِبَا فِيهِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ مَكِيلٌ، فَثَبَتَ أَنَّ عِلَّتَنَا يُوجَدُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهَا وَيُعْدَمُ بِعَدَمِهَا، وَعِلَّتُهُمْ يُوجَدُ الْحُكْمُ مَعَ عَدَمِهَا فِي السُّنْبُلِ وَيُعْدَمُ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِهَا فِي الرَّمَادِ فَثَبَتَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْأَكْلِ أَصَحُّ لِهَذِهِ الدَّلَائِلِ الْأَرْبَعَةِ.
وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى إِبْطَالِ الْكَيْلِ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَمِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَصَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ كُلُّهَا مَكِيلَةٌ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى الْكَيْلِ لَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهَا.
فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْكُمْ فِي الْأَكْلِ لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ كُلَّهَا مَأْكُولَةٌ وَلَوْ أَرَادَ الْأَكْلَ لَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهَا قِيلَ: لَيْسَ يَلْزَمُنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ فِي الْأَرْبَعَةِ لَا يَخْتَلِفُ وَالْأَكْلَ فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَالْبُرُّ يُؤْكَلُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَالشَّعِيرُ يُؤْكَلُ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ، وَالتَّمْرُ يُؤْكَلُ حُلْوًا وَالْمِلْحُ اسْتِطَابَةً فَلَمْ يَقْتَنِعْ بِذِكْرِ إِحْدَى الْمَأْكُولَاتِ لِتَفَرُّدِهِ بِإِحْدَى الصِّفَاتِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أن الكيل قد يختلف في المكيلان عَلَى اخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَتَقَلُّبِ الْأَزْمَانِ فَالتَّمْرُ يُكَالُ بِالْحِجَازِ وَيُوزَنُ بِالْبَصْرَةِ وَالْعِرَاقِ، وَالْبُرُّ يُكَالُ تَارَةً فِي زَمَانٍ وَيُوزَنُ أُخْرَى، وَالْفَوَاكِهُ قَدْ تُعَدُّ فِي زَمَانٍ وَتُوزَنُ فِي زَمَانٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْكَيْلُ عِلَّةً لِأَنَّهَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ فِيهِ الرِّبَا فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ وَلَا رِبَا فِيهِ فِي بَعْضِهَا، وَفِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ وَلَا رِبَا فِي غَيْرِهَا، وَعِلَّةُ الْحُكْمِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَازِمَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسَائِرِ الْأَزْمَانِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْأَكْلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ الْكَيْلَ عَلَمًا عَلَى الِإبَاحَةِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ إِلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ الْكَيْلُ عَلَمًا عَلَى الْحَظْرِ. أَلَا تَرَاهُ لَمَّا جَعَلَ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَلَمًا عَلَى الْإِبَاحَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْعَلَ عِلَّةً فِي الْحَظْرِ.

نام کتاب : الحاوي الكبير نویسنده : الماوردي    جلد : 5  صفحه : 87
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست