responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 2  صفحه : 185
النَّذْرِ الَّذِي مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الشَّرْطِ إِذَا كَانَ نَذْرًا بِقُرْبَةٍ، وَإِنَّمَا صَارُوا لِوُجُوبِ النَّذْرِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] . وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ مَدَحَ بِهِ فَقَالَ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] . وَأَخْبَرَ بِوُقُوعِ الْعِقَابِ بِنَقْضِهِ، فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 75] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ النَّذْرِ فِي النَّذْرِ الْمُطْلَقِ: هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَلْ يَجِبُ النَّذْرُ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ مَعًا أَوْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ؟ فَمَنْ قَالَ بِهِمَا مَعًا إِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا ; وَلَمْ يَقُلْ: نَذْرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ بِوُجُوبِ شَيْءٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِجِهَةِ الْوُجُوبِ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ اللَّفْظُ قَالَ: يَنْعَقِدُ النَّذْرُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَعْنِي: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ النَّذْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ، لَكِنْ رَأَى أَنَّ حَذْفَ لَفْظِ النَّذْرِ مِنَ الْقَوْلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، إِذْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْأَقَاوِيلِ الَّتِي مَخْرَجُهَا مَخْرَجُ النَّذْرِ النَّذْرَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِلَفْظِ النَّذْرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَنْ لَمْ يَرَ لُزُومَ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حَمَلَ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ عَلَى النَّدْبِ، وَكَذَلِكَ مَنِ اشْتَرَطَ فِيهِ الرِّضَا ; فَإِنَّمَا اشْتَرَطَهُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى جِهَةِ الرِّضَا، لَا عَلَى جِهَةِ اللَّجَاجِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَالنَّذْرُ عِنْدَهُ لَازِمٌ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ وَقَعَ، فَهَذَا مَا اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ.
وَأَمَّا مَا اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَشْيَاءِ الْمَنْذُورِ بِهَا، فَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْأُصُولِ اثْنَتَيْنِ:

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً: فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْكُوفِيُّونَ: بَلْ هُوَ لَازِمٌ، وَاللَّازِمُ عِنْدَهُمْ فِيهِ هُوَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لَا فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: تَعَارُضُ ظَوَاهِرِ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . فَظَاهِرٌ هَذَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ بِالْعِصْيَانِ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . وَهَذَا نَصٌّ فِي مَعْنَى اللُّزُومِ.
فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا، قَالَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ تَضَمَّنَ الْإِعْلَامَ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَلْزَمُ، وَهَذَا الثَّانِي تَضَمَّنَ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ. فَمَنْ رَجَّحَ ظَاهِرَ حَدِيثِ عَائِشَةَ إِذْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ حَدِيثُ

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 2  صفحه : 185
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست