responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 2  صفحه : 124
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُطْعِمُ إِلَّا مَسَاكِينَ مَكَّةَ.
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ ; لِلنَّصِّ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَلَالِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَقَالَ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ وَذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67] . وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» . وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ وَأَكَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَطَائِفَةٍ أَنَّ فِيهِ كَفَارَّتَيْنِ.
فَهَذِهِ هِيَ مَشْهُورَاتُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ فَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى طَرَفٍ مِنْهَا فَنَقُولُ: أَمَّا مَنِ اشْتَرَطَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَحُجَّتُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ نَصٌّ فِي الْآيَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْعِقَابِ، وَالْكَفَّارَاتِ عِقَابٌ مَا.
وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ الْجَزَاءَ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ، إِلَّا أَنْ يُشَبِّهَ الْجَزَاءَ عِنْدَ إِتْلَافِ الصَّيْدِ بِإِتْلَافِ الْأَمْوَالِ؛ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تُضَمَّنُ خَطَأً وَنَسِيَانًا. لَكِنْ يُعَارِضُ هَذَا الْقِيَاسَ اشْتِرَاطُ الْعَمْدِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ، فَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا - أَيِ الْعَمْدِ - إِنَّمَا اشْتَرَطَ؛ لِمَكَانِ تَعَلُّقِ الْعِقَابِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: 95] . وَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ ; لِأَنَّ الْوَبَالَ الْمَذُوقَ هُوَ فِي الْغَرَامَةِ، فَسَوَاءٌ قَتَلَهُ مُخْطِئًا أَوْ مُتَعَمِّدًا قَدْ ذَاقَ الْوَبَالَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مُعَاقَبٍ. وَأَكْثَرُ مَا تَلْزَمُ هَذِهِ الْحُجَّةُ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ لَا تَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ لِمَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى النَّاسِي إِلَّا الْقِيَاسُ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمِثْلِ: هَلْ هُوَ الشَّبِيهُ؟ أَوِ الْمِثْلُ فِي الْقِيمَةِ؟ فَإِنَّ سَبَبَ الِاخْتِلَافِ أَنَّ الْمِثْلَ يُقَالُ عَلَى الَّذِي هُوَ مِثْلٌ، وَعَلَى الَّذِي هُوَ مِثْلٌ فِي الْقِيمَةِ، لَكِنَّ حُجَّةَ مَنْ رَأَى أَنَّ الشَّبِيهَ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ أَنَّ انْطِلَاقَ لَفْظِ الْمِثْلِ عَلَى الشَّبِيهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَظْهَرُ، وَأَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى الْمِثْلِ فِي الْقِيمَةِ، لَكِنْ لِمَنْ حَمَلَ هَا هُنَا الْمِثْلَ عَلَى الْقِيمَةِ دَلَائِلُ حَرَّكَتْهُ إِلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ، أَحَدُهَا أَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي هُوَ الْعَدْلُ هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمِثْلَ إِذَا حُمِلَ هَا هُنَا عَلَى التَّعْدِيلِ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الصَّيْدِ، فَإِنَّ مِنَ الصَّيْدِ مَا لَا يُلْقَى لَهُ شَبِيهٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمِثْلَ فِيمَا لَا يُوجَدُ لَهُ شَبِيهٌ هُوَ التَّعْدِيلُ، وَلَيْسَ يُوجَدُ لِلْحَيَوَانِ الْمَصِيدِ فِي الْحَقِيقَةِ شَبِيهٌ إِلَّا مِنْ جِنْسِهِ، وَقَدْ نَصَّ أَنَّ الْمِثْلَ الْوَاجِبَ فِيهِ هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي التَّعْدِيلِ وَالْقِيمَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي الشَّبِيهِ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ.
فَأَمَّا الْحُكْمُ بِالتَّعْدِيلِ فَهُوَ شَيْءٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، وَلِذَلِكَ هُوَ كُلُّ وَقْتٍ يَحْتَاجُ إِلَى الْحَكَمَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا. وَعَلَى هَذَا، يَأْتِي التَّقْدِيرُ فِي الْآيَةِ بِمُشَابِهٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، أَوْ عَدْلُ الْقِيمَةِ طَعَامًا، أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا.

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 2  صفحه : 124
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست