responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 103
الْبَيْنُونَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِذَا نَوَى إبَانَتَهَا لِلْحَالِ مُعَجَّلًا فَقَدْ نَوَى تَغْيِيرَ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا لَغَتْ نِيَّتُهُ أَيْضًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: " طَالِقٌ " مُشْتَقٌّ مِنْ الطَّلَاقِ كَالضَّارِبِ وَنَحْوِهِ، يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الطَّلَاقُ كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَقَّةِ مِنْ الْمَعَانِي، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الضَّارِبُ بِلَا ضَرْبٍ وَالْقَاتِلُ بِلَا قَتْلٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ الطَّالِقُ بِلَا طَلَاقٍ؟ فَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَصَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ مِنْهُ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَى الطَّلَاقِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَكَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ بَائِنٌ، وَنَوَى الثَّلَاثَ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِمَا قُلْنَا، كَذَا هَذَا.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] أَثْبَتَ الرَّجْعَةَ حَالَ قِيَامِ الْعِدَّةِ لِلْمُطَلِّقِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَمْ يَنْوِ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ حَقِّ الرَّجْعَةِ عِنْدَ مُطْلَقِ التَّطْلِيقِ إلَّا بِمَا قُيِّدَ بِدَلِيلٍ، وَلِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: اسْقِينِي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ نَوَى الثَّلَاثَ، وَقَوْلُهُ: طَالِقٌ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ طَالِقٌ اسْمٌ لِلذَّاتِ، وَذَاتُهَا وَاحِدٌ، وَالْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ إلَّا أَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ مُقْتَضَى الطَّالِقِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِكَوْنِهَا طَالِقًا؛ لِأَنَّ الطَّالِقَ بِدُونِ الطَّلَاقِ لَا يُتَصَوَّرُ كَالضَّارِبِ بِدُونِ الضَّرْبِ، وَهَذَا الْمُقْتَضَى غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ فِي نَفْسِهِ فَكَانَ عَدَمًا فِيمَا وَرَاءَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ.
وَذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْهُودِ فِي الثَّابِتِ ضَرُورَةً أَنَّهُ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي قَبُولِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ هُنَاكَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَكَانَ ثَابِتًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ قَبُولِ النِّيَّةِ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ مُقْتَضَاهُ الْبَيْنُونَةُ، وَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَكَانَ اسْمُ الْبَائِنِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ لِتَنَوُّعِ مَحَلِّ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ كَاسْمِ الْجَالِسِ؛ يُقَالُ: جَلَسَ أَيْ: قَعَدَ وَيُقَالُ جَلَسَ أَيْ: أَتَى نَجْدًا فَكَانَ الْجَالِسُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ لِتَنَوُّعِ مَحَلِّ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الْجُلُوسُ، فَكَذَا الْبَائِنُ وَالِاسْمُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَتَعَيَّنُ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا بِمُعَيَّنٍ، فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ عَيَّنَ إحْدَى نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْعِدَامِ الْمُعَيَّنِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: " طَالِقٌ " لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالطَّلَاقُ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَنَوَّعُ لِأَنَّهُ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَالْقَيْدُ نَوْعٌ وَاحِدٌ.
وَالثَّانِي: إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ صَارَ مَذْكُورًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَكِنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ قَيْدِ النِّكَاحِ؛ وَالْقَيْدُ فِي نِكَاحٍ وَاحِدٍ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ وَاحِدًا ضَرُورَةً فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى الْعَدَدَ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ الثَّلَاثُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا، كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدَةً.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَصْدَرَ لِلتَّأْكِيدِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: طَالِقٌ يَقْتَضِي الطَّلَاقَ فَكَانَ قَوْلُهُ: " طَلَاقًا " تَنْصِيصًا عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الطَّالِقُ فَكَانَ تَأْكِيدًا كَمَا يُقَالُ: قُمْت قِيَامًا وَأَكَلْت أَكْلًا، فَلَا يُفِيدُ إلَّا مَا أَفَادَهُ الْمُؤَكِّدُ وَهُوَ قَوْلُهُ: " طَالِقٌ " فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى بِهِ الثَّلَاثَ.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَوْلَهُ: - " طَلَاقًا " - مَصْدَرٌ فَيَحْتَمِلُ كُلَّ جِنْسِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 14] وَصَفَ الثُّبُورَ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ بِالْكَثْرَةِ، وَالثَّلَاثُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كُلُّ جِنْسِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ، وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى التَّأْكِيدِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ، وَهَهُنَا أَمْكَنَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَا عَلَى التَّقْسِيمِ فِي قَوْلِهِ: طَالِقٌ طَلَاقًا لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْقِيقِ مَعْنَى التَّوْحِيدِ فِيهِ، ثُمَّ الشَّيْءُ قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُهُ وَاحِدًا مِنْ النَّوْعِ كَزَيْدٍ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ كَالْإِنْسَانِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَلَا تُوجَدُ فِي الِاثْنَيْنِ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ وَلَا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ فَكَانَ عَدَدًا مَحْضًا فَلَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظَةُ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّهُ كُلُّ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَكُلُّ جِنْسٍ مِنْ الْأَفْعَالِ يَكُونُ جِنْسًا وَاحِدًا أَلَا تَرَى أَنَّكَ مَتَى عَدَّدْتَ الْأَجْنَاسَ تَعُدُّهُ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست