responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 256
أَدَاءُ حَقِّ الْمَالِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ الْفُقَرَاءُ عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الْأَخْذِ وَيُحْمَدُونَ شَرْعًا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَخْذِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْأَغْنِيَاءُ مِنْ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ الْفُقَرَاءَ كِفَايَتَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا ضَمِنَ لَهُمْ فَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ هُمْ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْفُقَرَاءُ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا ظَنَّهُ مَنْ يَعْتَبِرُ الظَّاهِرَ وَلَا يَتَأَمَّلُ فِي الْمَعْنَى، وَيَتَّضِحُ بِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ

ثُمَّ الْكَسْبُ عَلَى مَرَاتِبَ فَمِقْدَارُ مَا لَا بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُ يَعْنِي مَا يُقِيمُ بِهِ صُلْبَهُ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اكْتِسَابُهُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرَائِضِ إلَّا بِهِ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إقَامَةِ الْفَرَائِضِ يَكُونُ فَرْضًا فَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، وَعِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا» «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ خُنَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا يَعِظُهُ لُقْمَةٌ تَسُدُّ بِهَا جَوْعَتَك وَخِرْقَةٌ تُوَارِي بِهَا سَوْأَتَك فَإِنْ كَانَ لَك كِنٌّ يَكُنُّك فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ لَك دَابَّةٌ تَرْكَبُهَا بَخٍ بَخٍ»
وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالِاكْتِسَابُ بِقَدْرِ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَنِيًّا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَبِالِاكْتِسَابِ يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ»
وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْكَسْبُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمْ غَنِيًّا؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى زَوْجَتِهِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] مَعْنَاهُ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ وَهَكَذَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ.
وَإِنَّمَا يُتَوَصَّلُ إلَى إيفَاءِ هَذَا الْمُسْتَحَقِّ بِالْكَسْبِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَمُونُ» فَالتَّحَرُّزُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَآثِمِ فَرْضٌ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ لِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا، وَإِنَّ لِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ»، وَلَكِنَّ هَذَا فِي الْفَرْضِيَّةِ دُونَ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ثُمَّ مَنْ تَعُولُ» فَإِنْ اكْتَسَبَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مَا يَدَّخِرُهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادَّخَرَ قُوتَ عِيَالِهِ لِسَنَةٍ بَعْدَ مَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ» عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْفِقْ بِلَالًا وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إقْلَالًا» وَالْمُتَأَخِّرُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ كَبِيرَانِ مُعْسِرَانِ، فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْكَسْبُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِمَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ عُسْرَتِهِ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْكَسْبِ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلرَّجُلِ الَّذِي أَتَاهُ وَقَالَ أُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَك أَلَك أَبَوَانِ قَالَ نَعَمْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 256
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست