responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 12  صفحه : 54
فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ. وَالْعَادَةُ الظَّاهِرَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُهْدِي إلَى مَنْ فَوْقَهُ؛ لِيَصُونَهُ بِجَاهِهِ، وَإِلَى مَنْ دُونَهُ؛ لِيَخْدُمَهُ، وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ؛ لِيُعَوِّضَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ لِوَفْدِ ثَقِيفٍ لَمَّا أَتَوْهُ بِشَيْءٍ أَصَدَقَةٌ أَمْ هِبَةٌ؟.
فَالصَّدَقَةُ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْهِبَةُ يُبْتَغَى فِيهَا وَجْهُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ. وَمِنْهُ يُقَالُ: لِلْأَيَادِي قُرُوضٌ، وَقَالَ الْقَائِلُ:
وَإِذَا جُوزِيت قَرْضًا فَاجْزِهِ ... إنَّمَا يَجْزِي الْفَتَى لَيْسَ الْحَمَلُ
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ عِنْدَنَا، بَلْ لِتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا يُقْصَدُ الْعِوَضُ بِالتِّجَارَاتِ، فَأَمَّا الْمَقْصُودُ بِالْهِبَةِ: إظْهَارُ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ، وَالتَّوَدُّدِ وَالتَّحَبُّبِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي التِّجَارَاتِ مَشْرُوطٌ، وَفِي التَّبَرُّعَاتِ مَقْصُودٌ، وَمَعْنَى إظْهَارِ الْجُودِ أَيْضًا مَقْصُودٌ، فَإِنَّمَا يُمْكِنُ الْخَلَلُ فِي بَعْضِ الْمَقْصُودِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِلْفَسْخِ مَعَ أَنَّ إظْهَارَ الْجُودِ مَقْصُودُ كَرِيمِ الْخُلُقِ، وَلِهَذَا يَقُولُ: الرَّاجِعُ فِي الْهِبَةِ لَا يَكُونُ كَرِيمَ الْخُلُقِ فَأَمَّا مَقْصُودُ طِيبَةِ النَّفْسِ الْعِوَضُ، وَمَعْنَى التَّوَدُّدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعِوَضِ - كَمَا قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَهَادَوْا تَحَابُّوا». فَإِنَّ التَّفَاعُلَ يَقْتَضِي، وُجُودَ الْفِعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَالْمُفَاعَلَةِ فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ بِالرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا. إلَّا الْوَالِدُ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ فَيَنْفَرِدُ بِالْأَخْذِ لِحَاجَتِهِ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ رُجُوعًا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْحُكْمِ. كَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ الْفَرَسَ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكِ».
وَالشِّرَاءُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي الصَّدَقَةِ حُكْمًا، وَالْمُرَادُ: لَا يَحِلُّ الرُّجُوعُ بِطَرِيقِ الدِّيَانَةِ وَالْمُرُوءَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيتَ شَبْعَانَ، وَجَارُهُ إلَى جَنْبِهِ طَاوٍ. أَيْ:» لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِالدِّيَانَةِ وَالْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقَّ وَاجِبٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ: التَّنْبِيهُ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَاحِ، وَالِاسْتِقْذَارِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ: شُبِّهَ بِعَوْدِ الْكَلْبِ فِي قَيْئِهِ، وَفِعْلُ الْكَلْبِ يُوصَفُ بِالْقُبْحِ لَا بِالْحُرْمَةِ، وَبِهِ نَقُولُ، وَأَنَّهُ يُسْتَقْبَحُ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، وَالزَّوْجَيْنِ لِحُصُولِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَاكَ، وَتَمَكُّنِ الْخَلَلِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ، أَوْ الرِّضَا فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّبَبَ تَمَكُّنُ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ، فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَضَاءٍ، أَوْ رِضًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَالْفَصْلُ الثَّانِي): إذَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 12  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست