responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 12  صفحه : 53
رَحِمٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَهُمَا فَصْلَانِ، أَحَدُهُمَا: إذَا وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ شَيْئًا، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ عِنْدَنَا - مَا لَمْ يُعَوَّضْ مِنْهَا فِي الْحُكْمِ - وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الدَّيَّانَة، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِقَوْلِهِ: «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: لَا يَحِلُّ، فَقَدْ نَفَى الرُّجُوعَ أَوْ حَرَّمَ، وَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى ارْتِكَابِ الْحَرَامِ شَرْعًا، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ»، وَالْعَوْدُ فِي الْقَيْءِ حَرَامٌ، فَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ: الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَمُطْلَقُهُ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ فِيهِ كَالْبَيْعِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ الْمَقْصُودَ بِالتَّمْلِيكِ، وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا مَا يُضَادُّ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حَقُّ الرُّجُوعِ قَبْلَ تَمَامِهِ كَمَا فِيمَا بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَلَدَ كَسْبُهُ - عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ - أَوْ أَنَّهُ بَعْضُهُ، فَلَا يَتِمُّ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ لِمَا جَعَلَهَا مُحْرَزَةً، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِيمَا بَيْنَ الْأَجَانِبِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَيْسَ بَيْنَ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ حُزُونَةٌ، فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا فِيمَا يَهَبُ لِصَاحِبِهِ كَالْأَخَوَيْنِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ: حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ - مَا لَمْ يُثَبْ» مِنْهَا -.
وَالْمُرَادُ: حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْوَاهِبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ كَالرَّجُلِ يَقُولُ: أَكَلْنَا خُبْزَ فُلَانٍ الْخَبَّازِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَدَّ هَذَا الْحَقَّ إلَى وُصُولِ الْعِوَضِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحِيَّةِ: الْعَطِيَّةُ، قَالَ الْقَائِلُ:
تَحِيَّتُهُمْ بِيضُ الْوَلَائِدِ بَيْنَهُمْ
يُرِيدُ عَطَايَاهُمْ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فَلِيُوقِفْ وَلِيَعْرِفْ قُبْحَ فِعْلِهِ». وَفِي رِوَايَةٍ: حُسْنَ فِعْلِهِ فَإِنْ أَبَى يَرُدُّ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ: حُسْنُ فِعْلِهِ فِي الْهِبَةِ، وَقُبْحُ فِعْلِهِ فِي الرُّجُوعِ (وَعَنْ) فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنِّي وَهَبْت لِهَذَا بَازِيًا؛ لِيُثِيبَنِي وَلَمْ يُثِبْنِي، فَأَنَا أَرْجِعُ فِيهِ. فَقَالَ فَضَالَةُ: لَا يَرْجِعُ فِي الْهِبَةِ إلَّا النِّسَاءُ وَالشِّرَارُ مِنْ النَّاسِ؛ اُرْدُدْ (وَعَنْ) أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الْوَاهِبُونَ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ وَهَبَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَرَجُلٌ اُسْتُوْهِبَ فَوَهَبَ، فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا - مَا لَمْ يُعَوَّضْ - وَرَجُلٌ وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ دَيْنٌ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ يُمْكِنُ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ، فَيَتَمَكَّنُ الْعَاقِدُ مِنْ الْفَسْخِ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا. وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ لِلْأَجَانِبِ الْعِوَضُ وَالْمُكَافَأَةُ، وَالْمَرْجِعُ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 12  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست