نام کتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي نویسنده : الريسوني، أحمد جلد : 1 صفحه : 239
-المتقدمة- أوضح مثال على هذا. فقد صرحت الآية أن في الخمر والميسر مفاسد ومصالح. ولكن جانب المفسدة كثير، والمفسدة عامة. بينما منافع الخمر والميسر قليلة، وفردية. فرجع الشارع جانب المصلحة الكثيرة والعامة، بدفع مفاسد الخمر والميسر وتحريمهما. وأهمل جانب المنافع القليلة الخاصة. ولكن هذه المنافع الملغاة في هذه الحالة، وليست ملغاة مطلقًا. فإذا افترضنا أن منافع الخمر والميسر، هي: الربح المالي، وهي متعة الانتشاء بالسكر، أو بالفوز في القمار فإن هذه المنافع ليست ملغاة في الشرع. بل قد أباح منها وشرع لها ما لا يحصى من أوجه الحفظ والتحصيل، وهي الأوجه التي لا يكون فيها مفاسد مكافئة أو تزيد، ولا يكون فيها تفويت مصلحة أهم وأولى بالتقديم.
وإذًا، فإن "إلغاء" بعض المصالح، إنما هو عين الحفظ للمصلحة. وقل مثل هذا في سائر "المصالح الملغاة" أي أنها إنما ألغيت في حالات معينة. بينما هي معتبرة ومحفوظة في أضعاف أضعاف حالات المنع والإلغاء. ومعنى هذا أن حفظ المصلحة -أي مصلحة- هو الأصل، وأما الإلغاء حفظ جوانب أخرى من مصالحهم ومصالح غيرهم، مع أن ما فات من "المصلحة الملغاة" لم يفت مطلقًا، بل لتحصيله أبواب مشروعة واسعة كثيرة. ومن دقائق القاضي أبي بكر بن العربي قوله: "إن الباري سبحانه، ببديع حكمته، لما خلق لنا ما في الأرض جميعًا كما أخبرنا، قسم الحال فيه: فمنه ما أباحه على الإطلاق، ومنه ما أباحه في حال دون حال، ومنه ما أباحه على وجه دون وجه. فأما أن يكون في الأرض ممنوع لا تتطرق إليه إباحة في حال ولا على وجه، فلا أعلمه الآن[1].
وأما فيما يخص "المصالح المرسلة" فهي أيضًا ليست مصالح مهملة مسكوتًا عنها، أي أنها ليست مرسلة مطلقًا، بل هي "مرسلة" -فقط- من حيث عدم التنصيص الجزئي الخاص بها. أما من حيث جنسها، ومن باب أولى، من حيث كونها مصلحة وخيرًا ونفعًا. [1] عارضة الأحوذي، 5/ 199.
نام کتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي نویسنده : الريسوني، أحمد جلد : 1 صفحه : 239