responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام نویسنده : ابن عبد السلام    جلد : 2  صفحه : 189
وَمَنْ تَتَبَّعَ مَقَاصِدَ الشَّرْعِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، حَصَلَ لَهُ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ اعْتِقَادٌ أَوْ عِرْفَانٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْمَصْلَحَةَ لَا يَجُوزُ إهْمَالُهَا، وَأَنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ خَاصٌّ، فَإِنَّ فَهْمَ نَفْسِ الشَّرْعِ يُوجِبُ ذَلِكَ. وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَاشَرَ إنْسَانًا مِنْ الْفُضَلَاءِ الْحُكَمَاءِ الْعُقَلَاءِ وَفَهِمَ مَا يُؤْثِرُهُ وَيَكْرَهُهُ فِي كُلِّ وِرْدٍ وَصَدْرٍ ثُمَّ سَنَحَتْ لَهُ مَصْلَحَةٌ أَوْ مَفْسَدَةٌ لَمْ يَعْرِفْ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَعْرِفُ بِمَجْمُوعِ مَا عَهِدَهُ مِنْ طَرِيقَتِهِ وَأَلِفَه مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يُؤْثِرُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ وَيَكْرَهُ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ. وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مَقَاصِدَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِعِلْمِنَا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِكُلِّ خَيْرٍ دَقَّهُ وَجَلَّهُ، وَزَجَرَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ دَقَّهُ وَجَلَّهُ، فَإِنَّ الْخَيْرَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، وَالشَّرَّ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَلْبِ الْمَفَاسِدِ وَدَرْءِ الْمَصَالِحِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْخَيْرِ الْخَالِصِ وَالشَّرِّ الْمَحْضِ. وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ وَشَرَّ الشَّرَّيْنِ أَوْ يَعْرِفْ تَرْجِيحَ الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ أَوْ تَرْجِيحَ الْمَفْسَدَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ أَوْ جَهِلْنَا الْمَصْلَحَةَ وَالْمَفْسَدَةَ، وَمِنْ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ مَا لَا يَعْرِفُ إلَّا كُلُّ ذِي فَهْمٍ سَلِيمٍ وَطَبْعٍ مُسْتَقِيمٍ يَعْرِفُ بِهِمَا دَقَّ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ وَجَلَّهُمَا، وَأَرْجَحَهُمَا مِنْ مَرْجُوحِهِمَا، وَتَفَاوَتَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ تَفَاوُتِهِمْ فِيمَا ذَكَرْته، وَقَدْ يَغْفُلُ الْحَاذِقُ الْأَفْضَلُ عَنْ بَعْضِ مَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْأَخْرَقُ الْمَفْضُولُ وَلَكِنَّهُ قَلِيلٌ.
وَأَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِلْحَثِّ عَلَى الْمَصَالِحِ كُلِّهَا وَالزَّجْرِ عَنْ الْمَفَاسِدِ بِأَسْرِهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فَإِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ لِلْعُمُومِ وَالِاسْتِغْرَاقِ، فَلَا يَبْقَى مِنْ دَقِّ الْعَدْلِ وَجَلِّهِ شَيْءٌ إلَّا انْدَرَجَ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وَلَا يَبْقَى مِنْ دَقِّ الْإِحْسَانِ وَجَلِّهِ

نام کتاب : قواعد الأحكام في مصالح الأنام نویسنده : ابن عبد السلام    جلد : 2  صفحه : 189
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست