دلالة الاقتضاء فمعناها أن المعنى يتقاضها لا اللفظ، حتى قال جماعة في ضابطها، أنها دلالة اللفظ على ما يتوقف عليه صدق المتكلم، فإن قوله تعالى «فانفلق» [1] إنما ينتظم بالإضمار المذكور وكذلك قوله تعالى «وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون» إلى قوله تعالى «فلما جاء سليمان» [2] فمجيء الرسول إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فرع إرساله فيتعين أن يضمر: فأرسلت رسولاً فلما جاء سليمان، فلذلك قلت إن المعنى يقتضيه دون اللفظ، بخلاف دليل الخطاب وفحواه اللذين هما مفهوم المخالفة ومفهوم الموافقة للفظ يتقاضاها بمفهومه، بخلاف المثل المذكورة لا يتقاضاها منطوق ولا مفهوم، بل المعنى فقط وانتظامه، وفحوى الخطاب معناه مفهومه تقول فهمت من فحوى كلامه كذا أي من مفهومه فوضع العلماء ذلك لمفهوم الموافقة، فهذه الألفاظ وضعها بإزاء هذه المعاني المذكورة هنا اصطلاحي لا لغوي.
وقولي في مفهوم المخالفة إنه إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه، احتراز عما توهمه الشيخ بن أبي زيد وغيره فاستدلوا بقوله تعالى «ولا تصل على أحد منهم مات أبداً» [3] على وجوب الصلاة على أموات المسلمين بطريق المفهوم، وقالوا مفهوم التحريم على المنافقين الوجوب في حق المسلمين. وليس كما زعموا، فإن الوجوب هو ضد التحريم، والحاصل في المفهوم إنما هو سلب ذلك الحكم المرتب في المنطوق، وعدم التحريم أعم من ثبوت الوجوب، فإذا قال الله تعالى حرمت عليكم الصلاة على المنافقين فمفهومه أن غير المنافقين لا تحرم الصلاة عليهم، وإذا لم تحرم جاز أن تباح، فإن النقيض أعم من الضد، وإنما يعلم الوجوب أو غيره بدليل منفصل، فلذلك يتعين أن لا يزاد في المفهوم على إثبات النقيض. [1] 63 الشعراء «فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم» . [2] 36 النمل. [3] 84 التوبة.