الثاني: كشرع القصاص المترتب على القتل العمد العدوان، فإن شرعية القصاص تفضي إلى الانزجار عن التعدي على النفس المعصومة عن الهلاك ظناً، لأن الغالب من حال العاقل أنه إذا علم أنه إذا قتل قتل، أنه يكف عن القتل، فتبقى نفس المجني عليه، وإن كان الممتنعون عن القتل أكثر من المقدمين عليه، وليس ذلك مقطوعاً به لتحقق الإقدام على القتل مع شرعية القصاص.
وهذان القسمان متفق على التعليل بهما، عند القائلين بالتعليل بالمناسبة[1].
الثالث: قال الآمدي: "قلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق، بل على طريق التقريب، وذلك كشرع الحد على شرب الخمر صيانة للعقل، فإن إفضاء شرع الحد إلى ذلك متردد، حيث إنا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه، لاستدعاء الطباع شربها، لا على وجه الترجيح والغلبة لأحد الفريقين على الآخر في العادة"[2].
وقد اعترض عليه "بأن ذلك إنما هو للتسامح في إقامة الحدود، وأما مع إقامتها فلا، ونحن إنما نعتبر كونه مفضياً إلى المقصود أو لا على تقدير رعاية المشروع، لا بمجرد التشريع.
وتعقب بأنا لو فرضنا رعاية المشروع، لكان استيفاء حد الخمر أقل منعاً للشاربين من استيفاء القصاص للقاتلين، إذ لا يخفى أن الخوف من إزهاق النفس أعظم من خوف ثمانين جلدة"[3].
الرابع: إفضاء الحكم بصحة نكاح الآيسة إلى مقصود التوالد والتناسل، فإنه وإن كان ممكناً عقلاً، غير أنه بعيد عادة، فكان الإفضاء إليه مرجوحاً.
فهذه الأقسام الأربعة وإن كانت مناسبة نظراً إلى أنها موافقة للنفس غير أن [1] انظر تفاصيله في الأحكام للآمدي 3/250، العضد على المختصر 2/240، المحلى على جمع الجوامع مع العطار 2/230، والتقرير والتحبير 3/145. [2] الأحكام للآمدي 3/250. [3] التقرير والتحبير 3/145.