فَقَالَ جَمِيعُهُمْ بِقَوْلِهِمُ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَنْعِ مِنْ تَغْيِيرِ الْحُبْسِ عَنْ وَجْهِهِ، وَابْنُ لُبَابَةَ سَاكِتٌ؛ فقال له القاضي: مَا تَقُولُ أَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: أَمَّا قَوْلُ إِمَامِنَا مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ؛ فَالَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ[1] الْحُبْسَ أَصْلًا، وَهُمْ عُلَمَاءُ أَعْلَامٌ يَهْتَدِي بِهِمْ أَكْثَرُ الْأُمَّةِ، وَإِذْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ[2] الْحَاجَةِ إِلَى هَذَا الْمِجْشَرِ مَا بِهِ فَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ عَنْهُ، وَلَهُ فِي السُّنَّةِ فُسْحَةٌ، وَأَنَا أَقُولُ فِيهِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَتَقَلَّدُ ذَلِكَ رَأْيًا، فَقَالَ لَهُ الْفُقَهَاءُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَتْرُكُ قَوْلَ مَالِكٍ الَّذِي أَفْتَى بِهِ أَسْلَافُنَا وَمَضَوْا عَلَيْهِ وَاعْتَقَدْنَاهُ بَعْدَهُمْ وَأَفْتَيْنَا بِهِ لَا نَحِيدُ عَنْهُ بِوَجْهٍ، وَهُوَ رَأْيُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَأْيُ الْأَئِمَّةِ آبَائِهِ؟ فَقَالَ لَهُ[3] مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: نَاشَدْتُكُمُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَلَمْ تَنْزِلْ بِأَحَدٍ مِنْكُمْ مُلِمَّةٌ بَلَغَتْ بِكُمْ أن أخذتهم[4] فِيهَا بِقَوْلِ غَيْرِ مَالِكٍ فِي خَاصَّةِ أَنْفُسِكُمْ وَأَرْخَصْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ؟ [5] قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَوْلَى بِذَلِكَ فَخُذُوا بِهِ مَآخِذَكُمْ، وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ مَنْ يُوَافِقُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ؛ فَكُلُّهُمْ قُدْوَةٌ. فَسَكَتُوا، فقال للقاضي: أنه[6] إلى أمير [1] في كتاب "البدائع" "6/ 218" في مذهب الخنفية: إنه ينبني على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبه في جواز الوقف وعدمه، أنه لو بنى رباطًا أو خاناص للمجتازين أو سقاية للمسلمين لا تزول رقبة العين عن ملكه عند أبي حنيفة، إلا إذا أضاف الوقف إلى ما بعد الموت بأن قال: إذا مت فقد جعلت داري مثلًا وقفا على كذا، ومثله إذا حكم به حاكم، أما عند صاحبيه، فيزول الملك بدون توقف على الإضافة إلى ما بعد الموت وبدون حكم الحاكم. "د".
قلت: انظر في تفصيل المسألة: "المدونة الكبرى" "4/ 342"، و"حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" "4/ 91"، و"التاج والإكليل" "6/ 42"، و"رسالة الحطاب في بيع الأحباس" "مخطوطة في دار الكتب المصرية، ق4، 5"، و"أحكام الوقف في الشريعة الإسلامية" "2/ 32 وما بعدها". [2] في "ف": "في"، وفي "م": "وإذا كان بأمير المؤمنين في ... ". [3] في "ط": "فقال لهم". [4] في "د": "أخذتهم". [5] بعدها في "ط": "في ذلك". [6] أي: أبلغ.