عِنْدَهُمْ إِضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ[1]، فَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ سَائِغًا عَلَى الْإِطْلَاقِ[2]؛ لَكَانَ فِيهِ حُجَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ إِلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ، غَيْرَ أَنَّهُ إِضَافِيٌّ؛ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهِ اخْتِلَافٌ مُقَرَّرٌ عَلَى حَالٍ، وَإِنَّمَا الْجَمِيعُ مُحَوِّمُونَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ هُوَ قَصْدُ الشَّارِعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، لَا قَوْلَانِ مُقَرَّرَانِ؛ فَلَمْ يَظْهَرْ إِذًا مِنْ قَصْدِ الشَّارِعِ وَضْعُ أَصْلٍ لِلِاخْتِلَافِ، بَلْ وَضْعُ مَوْضِعٍ لِلِاجْتِهَادِ فِي التَّحْوِيمِ عَلَى إِصَابَةِ قَصْدِ الشَّارِعِ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ، وَمِنْ هُنَاكَ لَا تَجِدُ مُجْتَهِدًا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ قَوْلَيْنِ مَعًا[3] أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُثْبِتُ قَوْلًا وَاحِدًا وَيَنْفِي مَا عَدَاهُ.
وَقَدْ مَرَّ[4] جَوَابُ مَسْأَلَةِ التَّصْوِيبِ وَالتَّخْطِئَةِ.
وَأَمَّا تَجْوِيزُ أَنْ يَأْتِيَ دَلِيلَانِ مُتَعَارِضَانِ، فَإِنْ أَرَادَ الذَّاهِبُونَ إِلَى ذَلِكَ التَّعَارُضَ فِي الظَّاهِرِ وَفِي أَنْظَارِ الْمُجْتَهِدِينَ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ جَائِزٌ، وَلَكِنْ لَا يَقْضِي ذَلِكَ بِجَوَازِ التَّعَارُضِ في أدلة الشريعة، وإن أرادوا تجويز [1] أي: ولو كانت حقيقة لم يكن هناك مانع من ترك المجتهد رأي نفسه إلى رأي غيره. "د". [2] أي: بحيث يجوز لكل واحد من المجتهدين أن يأخذ برأي غيره منهم. "د". [3] كما قرره الأصوليون في مسألة "لا يجوز أن يكون لمجتهد في مسألة قولان متناقضان في وقت واحد بالنسبة إلى شخص واحد"؛ لأنه إن حصل تعارض جمع أو رجح، وإلا وقف. "د". [4] جواب عن قوله: "وأيضًا؛ فالقائلون بالتصويب ... إلخ"، وجوابه هو الجواب المذكور آنفًا عن الاعتراض باختلافهم في أن كل مجتهد مصيب، وهو أن الإصابة إضافية لا حقيقة، بدليل أنه ليس للمجتهد أن يترك ما وصل إليه اجتهاده إلى قول غيره. "د".
قلت: وانظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "13/ 124، 20/ 22"، و"فتح الباري" "7/ 409-410"، و"إرشاد الفحول" "ص261-262"، و"الاختلاف وما إليه" "73-78".