طَرَفَيْ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ شَرْعِيَّيْنِ؛ فَقَدْ يَخْفَى هُنَالِكَ وَجْهُ الصَّوَابِ مِنْ وَجْهِ الْخَطَأِ.
وَعَلَى كُلِّ تقدير إن قيل بأن المصيب واحدًا[1]؛ فَقَدْ شَهِدَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَيْسَ مَجَالَ الِاخْتِلَافِ، وَلَا هُوَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ الِاخْتِلَافِ، بَلْ هُوَ مَجَالُ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ، وَإِبْلَاغِ الْجُهْدِ؛ فِي طَلَبِ مَقْصِدِ الشَّارِعِ الْمُتَّحِدِ، فَهَذِهِ الطَّائِفَةُ عَلَى وَفْقِ الْأَدِلَّةِ الْمُقَرَّرَةِ أَوَّلًا، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْكُلَّ مُصِيبُونَ[2]؛ فَلَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَوْ مَنْ قَلَّدَهُ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَلَا الْفَتْوَى إِلَّا بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ [1] كما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه وكثير من الفقهاء القائلون بأن لله في الواقعة حكمًا واحدًا معينًا موجودًا قبل الاجتهاد، نصب عليه دليلًا وأوجد على المجتهد أصابته بالنظر فيما يوصل عليه، كما أوجب على المكلف معرفته بالنظر والاستدلال، فإذا اجتهد ووضع النظر موضعه؛ فقد أصابه، وإن قصر؛ فقد أخطأه ولو بذل وسعه في تحصيله. "ف". [2] كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء القائلون بأنه ليس لله قبل الاجتهاد معين في الواقعة، بل حكم الله تابع لظن المجتهد، فما ظنه فيها من الحكم، فهو حكم اله تعالى في حقه، وحق مقلده وإن كان الله يعلم غير ما يظنه المجتهد أزلا، ولكن العلم غير الحكم؛ فالحكم لم يشرع إلا على وجه الإبهام، وهو ما يظنه المجتهد، والكلام في الحكم باعتبار التعلق التنجيزي؛ لأنه المتأخر التابع لظن المجتهد ومعناه أن الشارع عند هذا الفريق اعتبر ظن المجتهد المتعلق بمأخذ الحكم ودليله بمثابة الشرع، أي الكلام اللفظي الذي يظهر الحكم، أي الخطاب النفسي في صورته؛ فنظر المجتهد وظنه المسائل الاجتهادية منضم إلى المأخذ الشرعي في ظهور الحكم وتعلقه بأفعال المكلفين تعلقًا تنجيزيًا وقبل نظره وبيانه لا يوجد الحكم في النازلة شاغلًا لذمة المكلف؛ فهو بمثابة بيان الرسول صلى الله عليه وسلم في مجملات الشريعة، فكما أن حكم المجمل لا يتبين ولا يتعلق بالمكلف إلا بعد بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك الحكم المستنبط في المآخذ الاجتهادية لا يتبين ولا يتعلق بالمجتهد ومن يقلده إلا بعد اجتهاده وبيانه. "ف".