يَلْتَفِتْ إِلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ؛ إِذْ وَجَدَ النَّصَّ الشَّرْعِيَّ الْمُقْتَضِيَ لِخِلَافِهِ، وَسَأَلُوهُ[1] فِي رَدِّ أُسَامَةَ لِيَسْتَعِينَ بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ فَأَبَى لِصِحَّةِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ بِمَنْعِ رَدِّ مَا أَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[2].
وَإِذَا تَقَرَّرَ وُجُودُ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَأَهْلِهَا[3] لَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مُنَاظَرَةٍ وَلَا إِلَى مُرَاجَعَةٍ؛ إِلَّا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ، وَإِذَا فَرَضَ مُحْتَاطًا؛ فَذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ إِذَا بَنَى عَلَيْهِ بَعْضَ التَّرَدُّدِ فِيمَا هُوَ نَاظِرٌ فِيهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا السُّكُوتُ اقْتِصَارًا عَلَى بَحْثِ نَفْسِهِ إِلَى التَّبَيُّنِ؛ إِذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ قَبْلَ بَيَانِ الطَّرِيقِ.
وَإِمَّا الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ، وَهُوَ الْمُنَاظِرُ الْمُسْتَعِينُ؛ فَلَا يَخْلُو أَنْ يكون
= وضحت له القضية؛ فلا يحتاج إلى المناظرة، وأبو بكر من هذا القبيل وإن احتاج غيره إلى مناظرته. "د".
قلت: ومناظرة أبي بكر وعمر مضى تخريجها "1/ 500"، وانظر: "مسند الفاورق" "2/ 672-673" لابن كثير. [1] أي: بلسان عمر؛ فشدد النكير عليهم؛ كما في كتب السير، وفي "السيرة الحلبية" توسع وبسط في الموضع. "د". [2] يشير إلى من أخرج البخاري في "الصحيح" "كتاب المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنهما في مرضة الذي توفي فيه، 8/ 152/ رقم 4468، 4469" عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث بعثًا توأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "إن تطعنوا في إمارته؛ فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله؛ إن كان لخليقًا بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده". [3] أي: الصحابة العارفين بها والمجتهدين في أحكامها، وقوله: "لم يحتج بعد ذلك إلى مناظرة"؛ أي: في إثبات المسألة، أو معناه: لم يحتج في مثله، أي: في الجزئيات التي من قبيله إلى مناظرة وربما ساعد هذا الفهم قوله: "ولا إلى مراجعة إلا من باب الاحتياط". "د".