وَهُنَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ كَمُشَاوَرَةِ[1] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّعْدَيْنِ[2] فِي مُصَالَحَةِ الْأَحْزَابِ عَلَى نِصْفِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِمَا عَزِيمَةُ الْمُصَابَرَةِ وَالْقِتَالِ؛ لَمْ يَبْغِ بِهِ بَدَلًا وَلَمْ يَسْتَشِرْ غَيْرَهُمَا، وَهَكَذَا مُشَاوَرَتُهُ[3] وَعَرْضُهُ الْأَمْرَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْحُكْمَ؛ لَمْ يُلْقِ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ وُضُوحِ الْقَضِيَّةِ، وَلَمَّا مَنَعَتِ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ عَزَمَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى قِتَالِهِمْ، فَكَلَّمَهُ[4] عُمَرُ فِي ذلك؛ فلم [1] وإن كانت الأمثلة ما عدا الثاني في مصلحة عامة المسلمين، وليست خاصة بالمجتهد صلى الله عليه وسلم في قتال الأحزاب، ولا بأبي بكر في مثاليه؛ إلا أن المجتهد في الموضوعين لما كان هو المسئول عن الأمر وتنفيذه عُدَ كأنه يجتهد لنفسه، وعليه؛ فلا تكون الأمثلة خارجة عن أصل فرضه. "د". [2] سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وفي رواية لما سألوه أن يناصفهم تمر المدينة؛ قال: "حتى أستأمر السعود هذين، وسعد بن الربيع، وسعد بن خيثمة، وسعد بن مسعود". فقالوا: "لا والله ما أعطينا في أنفسنا الدنية في الجاهلية؛ فكيف وقد جاء الله بالإسلام وأعزنا بك، ما لهم عندنا إلا السيف. "د".
قلت: مضى تخريج ذلك في "1/ 499". [3] فقد دعا عليًا وأسامة بن زيد، فأما أسامة؛ فقال: "أهلك، ولا نعلم إلا خيرًا"، وأما علي؛ فقال: "لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، وسأل بربرة أيضًا"، أما كلمات سيدنا علي؛ فكانت مخبأة للإسلام بعد، فكان بسببها ما كان. "د".
قلت: مشاورته صلى الله عليه سلم لأسامة وعلي واردة ضمن حديث الإفك الطويل، وقد مضى تخريجه "2/ 422"، وقول الشارح: "أما كلمات سيدنا علي ... إلخ" ليس في بصحيح البتة ولا ارتباط بين مشورته رضي الله عنه وما وقع فيما بعد، وتفصيل ذلك يطول. [4] حيث قال: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" الحديث؛ فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال.
فإن قلت: أفلا يعد ما وقع من عمر والصحابة في احتجاجهم بالحديث مناظرة على أبي بكر؟
فالجواب: إن هذا داخل في مناظرة المستعين الآتية، وكلامنا الآن في المجتهد الذي =