فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مُسَلَّمًا أَوْ بِالْعِلَّةِ[1] الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوِ الَّتِي أُومِئَ إِلَيْهَا[2]، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مُسَلَّمًا، وَمَا سِوَاهُ فَرَاجِعٌ إِلَى النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ.
وَإِلَى هَذَا النَّوْعِ[3] يَرْجِعُ الِاجْتِهَادُ الْمَنْسُوبُ إِلَى أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ، كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُمْ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْهُمْ يَأْخُذُونَ أُصُولَ إِمَامِهِمْ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ فِي فَهْمِ أَلْفَاظِ الشَّرِيعَةِ، وَيُفَرِّعُونَ الْمَسَائِلَ، وَيُصْدِرُونَ الْفَتَاوَى عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ.
وَقَدْ قَبِلَ النَّاسُ أَنْظَارَهُمْ وَفَتَاوِيَهُمْ، وَعَمِلُوا عَلَى مُقْتَضَاهَا، خَالَفَتْ مَذْهَبَ إِمَامِهِمْ أَوْ وَافَقَتْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مَقَاصِدَ الشَّرْعِ في وضع [1] يريد أنه إنما يحتاج الاجتهاد القياسي إلى اللغة العربية في شيئين: معرفة الأصل المقيس عليه، ومعرفة العلة إذا كانت منصوصة أو مومًا إليها، أما باقي أعمال القائس، فلا تحتاج إلى اللغة، والأصل والعلة إذا كانت كذلك يمكن أن يؤخذا مسلمين، وإذ ذاك؛ فلا يحتاج إلى اللغة أصلًا. "د". [2] في "ط": "لها". [3] أي: الثاني، وهو المتعلق بالمعاني والمصالح ... إلخ، وقوله: "يأخذون أصول إمامهم"، أي: مسلمة لا بحث لهم فيها، إنما يبحثون في تفاريعها حتى فيما فرعه نفس الإمام صاحب هذه الأصول، وقد يخالفونه في تفريعه، بقي أنه يقتضي أنهم لا يرجعون إلى النصوص التفصيلية، وأن اجتهادهم منحصر في التفريع على تلك الأصول المسلمة؛ لأنهم لو رجعوا إلى النصوص لكان الواجب توافر شرط العربية؛ فهل الواقع كذلك، وأنهم لا يتعلقون بالنصوص مطلقًا في اجتهادهم؟ هذا يحتاج إلى استقراء، وقلما يثبته الاستقراء. "د".