يُمْكِنُ التَّفَاهُمُ [فِيمَا] بَيْنَ الْعَرَبِيِّ وَالْبَرْبَرِيِّ أَوِ الرُّومِيِّ أَوِ الْعِبْرَانِيِّ حَتَّى يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مُقْتَضَى لِسَانِ صَاحِبِهِ.
وَأَمَّا الْمَعَانِي مجرَّدة[1]؛ فَالْعُقَلَاءُ مُشْتَرِكُونَ فِي فَهْمِهَا، فَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ لِسَانٌ دون غيره، فإذن[2] مَنْ فَهِمَ مَقَاصِدَ الشَّرْعِ مِنْ وَضْعِ الْأَحْكَامِ، وَبَلَغَ فِيهَا رُتْبَةَ الْعِلْمِ بِهَا، وَلَوْ كَانَ فَهْمُهُ لَهَا مِنْ طَرِيقِ التَّرْجَمَةِ بِاللِّسَانِ الْأَعْجَمِيِّ؛ فَلَا فَرْقَ[3] بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ فَهِمَهَا مِنْ طَرِيقِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَلِذَلِكَ يُوقِعُ الْمُجْتَهِدُونَ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى الْوَقَائِعِ الْقَوْلِيَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ، ويعتبرون[4] [المعاني، ولا يتعبرون] الْأَلْفَاظَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّوَازِلِ.
وَأَيْضًا، فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ الْقِيَاسِيَّ غَيْرُ[5] مُحْتَاجٍ فِيهِ إِلَى مُقْتَضَيَاتِ الألفاظ إلا [1] مرتبط بقوله: "وإنما يلزم العلم ... إلخ"؛ لتضمنه دعوى اشتراط العلم بمقاصد الشرع وعدم اشتراط العلم بالعربية، ولذلك شمله البيان وإن سبق دليله. "ف" و"م". [2] أي: فالفهم هو اللازم المعمول عليه، فهو المشترط في الاجتهاد المتعلق بالمعاني دون العلم بالعربية؛ إذ لا فرق بين أسلوبها وأسلوب غيرها بالنسبة لفهم تلك المعاني. "ف". [3] تأمل في وجه التوفيق بين هذا وبين ما سبق له، حيث قال: "يتوقف فهم الشريعة حتى الفهم على فهم اللغة العربية حق الفهم"، وقال فيما سبق أيضًا: "إن الاجتهاد يتوقف على وصفين: العلم بمقاصد الشريعة، والتمكن من الاستنباط، وهذا إنما يكون بواسطة معارف خاصة، وإن هذه المعارف وسيلة إلى معرفة المقاصد"، ثم قال: "إن أوجب الوسائط اللغة العربية ... إلخ". "د". [4] أي: فيسألون عما تدل عليه في مجاري عرف أهلها مع أنه غير عربية، وبعد، فهل هذا عير تحقيق المناط؟ وسيأتي له في المسألة الثانية أنه لا يحتاج إلى واحد من الأمرين، لا فهم مقاصد الشريعة ولا اللغة العربية. "د". قلت: قوله مبني على سقط لاحق أثبتناه فقط من "ط". [5] إذا كان ثبوت العلة بالسبر والتقسيم أو المناسبة المسمى بتخريج المناط، فربما يسلم في بادئ الرأي، أما إذا كان ثبوتها في الأصل بالنص أو الإيماء في مراتبهما الكثيرة، فلا يظهر؛ لأنه لا بد من الرجوع إلى النص الذي أفاد ذلك، والتسليم في هذا ليس بكاف، وعلى فرض كفايته لا بد له من استقراء النصوص حتى يتمكن من دفع فساد الاعتبار وفساد الوضع، وهما أهم اعتراضات القياس، والرجوع للنص مستوجب لشرط العربية؛ لأنه لا يتم له إجراء القياس والمحافظة على نتيجة إلا بعدم مصادمته للنصوص مطلقًا في أي قياس كان، وهذا ما يعود على الأولين أيضًا بالتوقف كما أشرنا إليه. "د".