إِلَى خِطَابِ الشَّارِعِ بِالْعَفْوِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَتَى فِيهَا خِطَابٌ؛ فَإِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي النَّفْيِ أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ، أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ قَصْدٌ الْبَتَّةَ؛ فَهُوَ قِسْمُ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَإِنْ ظَهَرَ؛ فَتَارَةً يَكُونُ قَطْعِيًّا، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ قَطْعِيٍّ، فَأَمَّا الْقَطْعِيُّ؛ فَلَا مَجَالَ لِلنَّظَرِ فِيهِ بَعْدَ وُضُوحِ الْحَقِّ فِي النَّفْيِ أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ، وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ، وَهُوَ قِسْمُ الْوَاضِحَاتِ؛ لِأَنَّهُ وَاضِحُ الْحُكْمِ حَقِيقَةً، وَالْخَارِجُ عَنْهُ مُخْطِئٌ قَطْعًا، وَأَمَّا غَيْرُ الْقَطْعِيِّ؛ فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ[1] إِلَّا مَعَ دُخُولِ احْتِمَالٍ فِيهِ أَنْ[2] يَقْصِدَ الشَّارِعُ مُعَارِضَهُ أَوْ لَا؛ فَلَيْسَ مِنَ الْوَاضِحَاتِ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَخْفَى مِنْهُ، كَمَا أَنَّهُ يُعَدُّ غَيْرَ وَاضِحٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَوْضَحُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَرَاتِبَ الظُّنُونِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ تَخْتَلِفُ بِالْأَشَدِّ وَالْأَضْعَفِ حَتَّى تَنْتَهِيَ[3]؛ إِمَّا إِلَى الْعِلْمِ، وَإِمَّا إِلَى الشَّكِّ إِلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ تَارَةً يَقْوَى فِي إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ، وَتَارَةً لَا يَقْوَى فَإِنْ لَمْ يَقْوَ[4] رجع إلى قسم المتشابهات، والمقدم [1] أي: لا يكون غير قطعي إلا إذا دخل فيه احتمال أن الشارع قصد معارضة أو لم يقصده؛ فقوله أن يقصد معمول احتمال ولو حذف قوله أولًا لكان أولى. "ف". [2] هذه العبارة بدل من لفظ: "احتمال"، والاحتمال بمعنى التردد حينئذ لا بمعنى أحد الأمرين؛ فإذا جعل معمولا لاحتمال كان بمعنى أحد الأمرين تعين حذف كلمة "أولًا". "د". [3] أي: إلى المرتبة التي يليها العلم أو إلى المرتبة الضعيفة التي يليها الشك مباشرة، وليس المراد أن العلم أو الشك يكون من المراتب الظنون، وهو واضح ما دامت في انتهائها لم تخرج عن الموضوع، وأنها من الظنون، فإذا كان معنى انتهائها خروجها عنه؛ صح إجراء كلامه على ظاهره، ولكنه بعيد عن الفرض. "د". [4] قد فرض أنه واضح نسبي، وأنه من مراتب الظنون، وأن قصد الشارع فيه ظاهر؛ إلا أنه غير قطعي، فلا يظهر بعد ذلك فرض أنه لا يقوى في إحدى الجهتين، الذي معناه أن النفي والإثبات على حد سواء ليس قصد الشارع لأحدهما أظهر من قصده لمعارضة حتى يعد من المتشابهات، وما الفرق بينه حينئذ وبين الفرض الذي قال فيه: "فإن لم يظهر له قصد البتة في النفي والإثبات؛ فهو قسم المتشابهات"، لا فارق؛ لأن القطع بأنه لم يظهر قصده في النفي والإثبات يساوي قوله هنا: "لم =