responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام نویسنده : ابن أمير حاج    جلد : 3  صفحه : 22
مِنْ حَصِيرٍ وَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذًا، قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا شَائِعًا لَا مَرَدَّ لَهُ حُبُّهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ.
(اتَّجَهَ قَلْبُهُ) أَيْ تَرْجِيحُ غَيْرِ التَّحْرِيمِ لَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ غَيْرَ التَّحْرِيمِ يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكِرْهَةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَيْسَ فِي تَرْجِيحِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْمُوجِبَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ فَتَعَذَّرَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا جَرَمَ إنْ جَزَمَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَقَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَمَشَى عَلَيْهِ مَنْ قَدَّمْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَإِنْ ذَكَرَ تَرْجِيحَ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ قَوْلًا فَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ قَالَ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْإِبَاحَةِ وَحَاصِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ إرَادَةِ الْمُكَلَّفِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ لَكَانَ أَيْضًا الْوَاضِحُ وَهُوَ الْجَوَازُ الْأَصْلِيُّ وَتَعَقَّبَهُ الْأَبْهَرِيُّ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَصَوُّرَ الْمُكَلَّفِ وَاعْتِقَادَهُ أَنَّ فِي الْفِعْلِ مَصْلَحَةً رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ خَطَأً وَلَمَّا كَانَتْ شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَابِعَةً لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَكَانَ الْحَظْرُ بِنَاءً عَلَى مَصْلَحَةٍ فِي التَّرْكِ أَوْ مَفْسَدَةٍ فِي الْفِعْلِ كَانَ أَوْلَى، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِبَاحَةِ أَيْ الْعَمَلِ بِهَا كَثْرَةُ التَّغْيِير مِنْ ارْتِفَاعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالْحَظْرِ ثُمَّ ارْتِفَاعُ الْحَظْرِ بِالْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِهِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَظْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا انْتَهَى.
وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا فِيهَا فَقَدْ اخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ تَرْجِيحَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْحَظْرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبَانَ وَأَبُو هَاشِمٍ يَتَسَاوَيَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ صَدَقَ الرَّاوِي فِيهِمَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَهُ التَّاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ مَوْلَاةُ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَتْ: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الْمُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ كَالْمُسْتَحِلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» وَقَالَ سُلَيْمٌ إنْ كَانَ لِلشَّيْءِ أَصْلُ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْآخَرَ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ النَّاقِلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا الْحَظْرُ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاحِ كَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ هَذَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّشْدِيدِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُغْلِظُ أَوَّلًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ مَالَ إلَى التَّخْفِيفِ وَذَهَبَ الْآمِدِيُّ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَرْأَفُ بِالنَّاسِ وَيَأْخُذُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَتَعَبَّدُ بِالتَّغْلِيظِ فَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ التَّشْدِيدِ أَظْهَرُ قُلْت وَفِي كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كُلَّ الْمَشْرُوعَاتِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا شَأْنَهَا بَلْ فِيهَا وَفِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْمُسْتَقْرِئِ لَهَا وَلَا سِيَّمَا فِي بَابِ النَّسْخِ ثُمَّ لَعَلَّ الْأَخَفَّ أَوْلَى لِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مَعَ مَا عِلْمٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مِنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْيُسْرَ بِنَا وَنَفْيَ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ عَنَّا وَبِنَصِّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعَارَضٍ بِمَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الْأَثْقَلِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ أَكْثَرُ عَلَى مَا فِي إطْلَاقِ هَذَا أَيْضًا مِنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(وَالْوُجُوبُ) يُرَجَّحُ (عَلَى مَا سِوَى التَّحْرِيمِ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلِاحْتِيَاطِ (وَالْكَرَاهَةُ) تُرَجَّحُ (عَلَى النَّدْبِ) ؛ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ (وَالْكُلُّ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ يُرَجَّحُ (عَلَى الْإِبَاحَةِ) لِلِاحْتِيَاطِ (فَتَقْدِيمُ الْأَمْرِ) عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ (وَالنَّهْيُ) عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا أَوْ النَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ (لَيْسَ لِذَاتَيْهِمَا) كَمَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْوُجُوبُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَكْرُوهِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهُ الْأَمْرُ وَالْكَرَاهَةُ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهَا النَّهْيُ بَلْ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَقْدِيمُ النَّهْيِ عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا إمَّا لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّهْيِ

نام کتاب : التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام نویسنده : ابن أمير حاج    جلد : 3  صفحه : 22
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست