ومع أن هذه العبارة كافية في إلزام الخصم، لكني أعود إليها بالتأكيد على قوّتها في الإلزام!
ذلك أن مسلمًا أعلّ بعدم العلم بالسماع، مع احتمال وقوعه، لحصول المعاصرة. ولذلك لم يلجأ مسلم إلى الجزم بعدم السماع اعتمادًا على عدم المعاصرة، وإنما لجأ إلى الإعلال بنفي العلم بالسماع، التي هي عبارة عن ترجيح لعدم السماع كما سبق بيانه.
ويشهد لوقوع المعاصرة فعلاً بين محمد بن علي وجدِّه: أن ابن حبان ذكر محمد بن علي في طبقة التابعين، ولم يذكر له رواية عن صحابي غير جدّه ابن عباس (1) .
واستدل لوقوع المعاصرة أيضًا الشيخُ أحمد محمد شاكر بطبقة الآخذين عن محمد بن علي، حتى مال إلى صحّة سماعه من جَدِّه (2) .
فلماذا إذن توقّف مسلمٌ عن قبول هذه الرواية مع تحقق المعاصرة؟
أجاب عن ذلك ابن القطان الفاسي في (بيان الوهم والإيهام) ، مبيّنًا أن سبب الشك في سماع محمد بن علي من جدّه ابن عباس أنه أدخل بينه وبينه واسطةً في بعض حديثه عنه (3) .
وبذلك يتضح أن مسلمًا نظر إلى هذه الوسائط بين الحفيد وجدّه، ثم غلب على ظنّه، مع عدم ذكره السماع، ومع كونه حفيدًا وليس ابنًا= أنه لم يعاصره فترةً طويلةً، وإلا لاستغنى بالسماع من جدّه عن أن يروي
(1) الثقات لابن حبان (5/ 352) .
(2) مسند الإمام أحمد -حاشية التحقيق- (5/ 73- 74 رقم 3205) .
(3) بيان الوهم والإيهام لابن قطان (2/ 558) .