وما زلنا نناقش الاستدلالَ بالإعلال بعدم العلم بالسماع على أنه دليلٌ على اشتراط العلم به، وقد كان فيما سبق كفاية، وفوق الكفاية. لكنني سأختم بحُجّةٍ لا تحتاج إلى كثير تأمُّل، وهي حجّةٌ كافيةٌ وحدها في إبطال ذلك الاستدلال، وقَطْعِ كل قيل وقال!!
فأقول: أنتم تقولون: إن البخاري يشترط العلم باللقاء لأنه أعلّ أحاديث بعدم العلم باللقاء، أليس كذلك؟
فسيقولون: بلى، إلا إن كانوا قد تراجعوا عن قولهم.
فسأقول لهم: يلزمكم أن مسلمًا يشترط العلم باللقاء أيضًا!!!
فسيقولون: هذا مستحيل، لأنه هو صاحب تلك الحملة الشديدة والغارة الشعواء على من اشترط هذا الشرط.
فأقول لهم: إذا كنتم أخذتم اشتراطَ البخاري للعلم باللقاء واستفدتموه من إعلاله لأحاديث بعدم العلم باللقاء، فيلزمكم أن تقولوا بأن مسلمًا يشترط العلم باللقاء أيضًا، لأنه قد أعلّ أحاديث بعدم العلم باللقاء كذلك!!!
وذلك في ثلاثة أمثلة:
الأول: ذكر الإمام مسلم حديثًا في كتابه (التمييز) من رواية محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس عن جدّه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، ثم تعقّبه بقوله: ((لا يُعلم له سماعٌ من ابن عباس، ولا أنه لقيه أو رآه)) (1) .
(1) التمييز لمسلم (215) .