وبذلك نخرج بالمقدّمة الأولى: أن رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه تدليس، وعلى ذلك جميع الأئمة، ومنهم الإمام البخاري.
والمقدّمة الثانية هي: أن الوصف بالتدليس في الإسناد، لا يكون إلا إذا كان هناك إيهامٌ وتلبيس، وأن يكون في ظاهر الإسناد ما يوحي بخلاف حقيقته. وذلك مما لا يُخالف فيه أحد، لأنه لازِمُ ذلك الوصف: (التدليس) .
والمقدّمة الثالثة: أن التدليس والإيهامَ الواقعَ في رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه هو إيهامُ الاتصال ولا شك، وهذا هو وجه وصف هذه الرواية بأنها تدليس.
والنتيجة: أن رواية الراوي عمن عاصره ظاهرها يدل على الاتصال واللقاء، ولذلك نصفُ ما خالف هذا الظاهر بأنه تدليس.
وهذه النتيجة المهمّة هي المقدّمة الأولى لقضيّتنا الأساسيّة هنا:
- فإنه إذا كانت رواية الراوي عمن عاصره تدل على اللقاء في ظاهرها، وهذا هو الأصل فيها.
- إذا كان هذا هو قول جميع أهل العلم، بدليل وصفهم -جميعًا- رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه بأنها تدليس.
- دلَّ ذلك على أن الأصلَ عند جميع أهل العلم في رواية الراوي عمن عاصره الاتّصال. ممّا يعني أنّهم يحكمون باتّصالها دون أي شرط آخر، إلا إذا لاحت قرينةٌ تحملهم على مخالفة الأصل، أو إذا كان الراوي مُدلّسًا (أي أنّنا علمنا من حالته الخاصّة أن روايته عمن عاصره لا تدل على الاتصال) .