responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3642
وَإِنْ كَانُوا مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ لَا يُنَازِلُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُمْ بَشَرٌ يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَحْوَالِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْبَشَرِ، فَلَا تَعُدُّوا ذَلِكَ مَنْقَصَةً، وَلَا تَحْسَبُوهُ سَيِّئَةً. قُلْتُ: هَذَا مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَضِيَّةِ سَيِّدِنَا لُوطٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ إِخْبَارًا عَنْ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَضَجُّرِهِ وَقِلَّةِ صَبْرِهِ، بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَدْحِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَرْكِهِ الِاسْتِعْجَالَ بِالْخُرُوجِ لِيَزُولَ عَنْ قَلْبِ الْمَلِكِ مَا اتُّهِمَ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَةِ، وَلَا يَنْظُرَ إِلَيْهِ بِعَيْنِ مَشْكُوكٍ. انْتَهَى. وَهُوَ بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَقِيلَ: بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَقْصِيرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْوَسَائِطَ، وَلَمْ يُفَوِّضْ كُلَّ مَا آتَاهُ إِلَيْهِ تَعَالَى.
قُلْتُ: سَبَقَ أَنَّ مُبَاشَرَةَ الْأَسْبَابِ لَا تُنَافِي تَفْوِيضَ الْأَمْرِ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إِنَّ مَرْتَبَةَ جَمْعِ الْجَمْعِ هِيَ مُبَاشَرَةُ السَّبَبِ مَعَ مُلَاحَقَةِ عَمَلِ الرَّبِّ، وَقِيلَ: بَلْ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَقْصِيرِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ رَسُولًا، وَلِذَا دَعَا أَهْلَ السِّجْنِ بِقَوْلِهِ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} [يوسف: 39] إِلَخْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ إِلَى عَوْدَةِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَدَّمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ، وَهُوَ دَعْوَةُ الْمَلِكِ.
قُلْتُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ إِذْ تَقْدِيرُ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ رَسُولًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا، فَتَقَدَّمَ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِرْسَالِ مِنَ الْبَرَاءَةِ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ، لِئَلَّا يَدُورَ طَعْنُ الطَّاعِنِ حَوَالَيْهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَعَلَى حَقِيقَةِ مَا حَرَّرْنَاهُ، مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ( «رَحِمَ اللَّهُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ كَانَ لَذَا أَنَاةٍ حَلِيمًا، لَوْ كُنْتُ أَنَا الْمَحْبُوسُ ثُمَّ أُرْسِلَ إِلَيَّ لَخَرَجْتُ سَرِيعًا» ) . وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي (الزُّهْدِ) ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا: ( «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي يُوسُفَ لَوْ أَنَا أَتَانِيَ الرَّسُولُ بَعْدَ طُولِ الْحَبْسِ لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ حِينَ قَالَ: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} [يوسف: 50] » كَذَا فِي (الْجَامِعِ الصَّغِيرِ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

5706 - وَعَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا تَسَتَّرَ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ أَوْ أُدْرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ، فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ فَجَمَحَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ! ثَوْبِي يَا حَجَرُ! حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، وَأَخْذَ ثَوْبَهُ، وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ " ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5706 - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا» ") : بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَبِتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّهُ فَعِيلٌ أَيْ مُسْتَحْيِيًا (سَتِيرًا) ، بِفَتْحِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْفَوْقِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ. قَالَ شَارِحٌ أَيْ: مَسْتُورًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُبَالَغَةُ سَاتِرٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي نُسْخَةِ مَنْ كَسَرَ السِّينَ وَالْفَوْقِيَّةَ الْمُشَدَّدَةَ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ قَوْلَهُ: " لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ ": صِفَةٌ كَاشِفَةٌ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ هُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ كَثِيرَ التَّسَتُّرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِ (اسْتِحْيَاءً) ، أَيْ مِنَ النَّاسِ (فَآذَاهُ، مَنْ آذَاهُ) : بِالْمَدِّ فِيهِمَا أَيْ: مَنْ أَرَادَ إِيذَاءَهُ (مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا) : جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مَنْ كَمَا أَفْرَدَ أَوَّلًا بِنَاءً عَلَى لَفْظِهِ، وَنَحْوُهُ كَثِيرٌ فِي التَّنْزِيلِ أَيْ فَقَالَ بَعْضُ الْمُؤْذِينَ: (مَا تَسَتَّرَ) أَيْ: مُوسَى (هَذَا التَّسَتُّرَ) أَيْ: الْبَلِيغَ (إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ أَوْ أُدْرَةٌ) ، بِضَمِّ هَمْزَةٍ وَسُكُونِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ نَفْخَةٌ بِالْخُصْيَةِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ (وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ) ، بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يُنَزِّهَهُ عَنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْعَيْبِ، وَيُثْبِتَ لَهُ الْحَيَاءَ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّ اللَّهَ هُوَ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ بِالْوَاوِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ لِلتَّعْقِيبِ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ فَقَالُوا: كَيْتَ وَكَيْتَ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ، وَأَتَى بِأَنَّ الْمُؤَكِّدَةِ تَأْكِيدَ اعْتِنَاءٍ بِشَأْنِهِ، (فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ) أَيْ: انْفَرَدَ عَنِ النَّاسِ وَقْتًا مَا حَالَ كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا (لِيَغْتَسِلَ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ) أَيْ: بِجَنْبِ الْمَاءِ (فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ) ، الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ: فَأَخَذَهُ فَارًّا عَنْ مُوسَى، (فَجَمَحَ مُوسَى) : بِجِيمٍ وَمِيمٍ وَحَاءٍ

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 9  صفحه : 3642
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست